الطاهر ساتي

فالقضية … (قومية للغاية)

/

‫ ‫فالقضية … (قومية للغاية)
** قبل توزيع العنابر وفصلها عن غرف العمليات، كان المشهد لطيفاً بالمستشفى الريفي..فالرجال يأتون بزوجاتهم للتوليد، ثم يتخذوا مكاناً غير بعيد للشاي والقهوة والأنس لحين إكتمال العملية بواسطة القابلة الماهرة وكادر التمريض..ثم – فجأة – يسمعوا صرخة إمرأة تتمخض، فيهرولوا جميعاً إلى الجدار الجنوبي لغرفة العمليات ويمدوا رقابهم عبرالنافذة ويسألوا كادر التمريض بصوت واحد : ( دي مرتي ؟)، فيجيب كادر التمريض ( دي مرة عبد السيد)، فيعيدوا رقابهم من الغرفة ويحمدوا الله، ثم يعودوا – بمنتهى اللامبالاة – إلى مكان أنسهم..ويتكئ عبد السيد وحده – حزيناً متوجسا – على جدار غرفة العلمليات ..!!

** كل قضية بالسودان، في آذان ووجدان ساسة السودان، كما صرخة مخاض زوجة عبد السيد..على سبيل المثال الراهن، قضية حلايب المثارة حالياً.. آثارها موسى محمد أحمد، مساعد رئيس الجمهورية، في حضرة الرئيس مرسي..نسأل، لماذا موسى هو من أثار هذه القضية سائلاً الرئيس مرسي عن مصير حلايب، وليس الرئيس أو نوابه أو نافع أو الزبير أحمد الحسن و غيرهم من سادة الحزب والحكومة الذين إلتقاهم الرئيس مرسي في تلك الزيارة؟..كل هؤلاء – وغيرهم كثر – صمتوا عن الحديث في قضية حلايب في حضرة الرئيس مرسي، رغم أن حلايب مدينة سودانية وقضيتها قضية قومية..ما عدا موسى محمد أحمد، إذ تحمل عناء السؤال وهجوم الصحافة المصرية وحرج الحكومة السودانية.. لماذا؟.. لقد أجاب موسى على السؤال تلميحاً حين قال بالنص : (قضية حلايب يجب أن تكون قومية).. !!

** وهي كذلك، أي هي قضية قومية ويجب أن يتداعى لألمها وتوهان سكانها الحزب الحاكم بالسهر والحمى..ولكن للاسف، طرائق تفكير الحزب الحاكم كما لامبالاة نهج أولئك الرجال الذين أعادوا رقابهم من تلك الغرفة ثم عادوا إلى مجلس أنسهم وتركوا عبد السيد وحده حزينا ومتوجساً بجوار غرفة العمليات..ليس من ملامح القومية أن يتحمل موسى محمد أحمد وحده عناء الحديث عن حلايب، وليس من الحنكة السياسية – ولا الحكمة – إشعار مصر بأن قضية حلايب محض قضية بجاوية وللبجا ناطق رسمي اسمه موسى محمد أحمد..صحف مصر، الموالية منها والمعارضة، منذ زيارة مرسي و إلى يومنا هذا، تسبق اسم موسى محمد أحمد بلقب ( زعيم البجا)، وترفض حديثه المطالب باعادة حلايب الى السودان..وبخبث واضح، تختزل تلك الصحف قضية حلايب في شخص موسى محمد أحمد وتهاجم ( موسى فقط )..!!

** وعليه، نسأل الحزب الحاكم : من المسؤول عن هذا الإختزال المخل بحيث يصبح حديث رجل دولة في صحف دولة أخرى حديث (زعيم قبيلة)؟..ومن المسؤول عن تقزيم قضية حلايب في ذهن الرأي العام – المصري وغيره – بحيث لم يعد يتحدث عنها إلا من تصفه الصحف المصرية ب ( زعيم البجا).؟.. بل، من المسؤول عن إحساس موسى محمد أحمد ذاته – وكل البجا تقريباً – بان قضية حلايب لم تعد قضية قومية و( يجب أن تكون قومية)، أو كما قال حين شعر بانه يتكئ وحيداً – حزينا ومتوجسا – على جدار القضية؟..حلايب سودانية، أوهكذا تهمس قيادة حكومة السودان للصحف بين الحين والآخر، وهمسهم صحيح، ولكن الجهر – بما يهمسون به – في حضرة قيادة حكومة مصر يجب أن يكون سودانياً صريحاً، وليس بجاوياً فحسب.. موسى محمد أحمد فقط هو الذي يجاهر أمام ساسة مصر بقضية الحلايب، أما بقية الساسة – رئيساً ونواباً ووزراء – بعضهم يلتزم الصمت والبعض الآخر يبرر إحتلال حلايب بتبرير من شاكلة ( حكومة مصر بتمر بظروف صعبة وما صاح نفتح ملف حلايب في الظروف دي)، أوهكذا التبرير الرسمي المراد به ( تخدير الرأي العام)..!!

** المهم، فليكن الحزب الحاكم بمصر إسلامياً متحالفاً مع الحزب الحاكم بالسودان، بل فليكن فرعاً متفرعاً من الحزب الحاكم بالسودان، فهذا أو ذاك لايهم أهل السودان كثيراً حين يكون الحديث عن (أرض محتلة)..اطرقوا على قضية حلايب بالمطرقة القومية بلاحياء وبلا (دبلوماسية خجولة)..ولوغضبت حكومة مصر وصحافتها من المطرقة القومية، فلتغضب..وأن يصبوا جام غضبهم على حكومة وشعب وبلد خير- لقضية حلايب – من أن يختزلوا غضبهم في ( موسى محمد أحمد) ..!!‬

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]