عاقبة التسول من المتسول
[JUSTIFY]
أمامي قصاصة بلا تاريخ من صحيفة عربية فيها مقال بعنوان «التسول: محطة استثمار وتجارة رابحة في الممنوع»، ولم يثر دهشتي ان متسولا انتهى «دوامه» جاءته سيارة بي إم دبليو ونقلته إلى بيته، وأن متسولا شوهد في مطعم فاخر آخر قيافة وأناقة.. نعم فالتسول لم يعد يعني ان المتسول فقير ومحتاج بل صار مهنة، وفي بعض البلدان تقطع أيدي الأطفال أو تكسر أرجلهم لاستدرار الشفقة والإحسان.. كنت في مدينة جدة وتوجهت إلى جهاز صراف إلى لسحب بعض النقود (صرت استخدم تلك الأجهزة لأن سحب النقود منها لا يعطيني الإحساس بأن رصيدي البنكي يتناقص كما انني سمعت قصصا عن أجهزة صرف إلى تعطي أحيانا مبالغ ضخمة عن طريق الخطأ.. ومين يعرف فقد يصاب جهاز بلوثة أثناء تعاملي معه وأنجح في تكوين نفسي.. ستقول: حرام ان تستولي على فلوس يعطيها لك جهاز أوتوماتيكي عن طريق الخطأ! هل سمعت عن بنك قال لعميل: سوري فلوسك التي عندنا ينبغي ان تكون أكثر من ذلك فتعال وخذ «الفرق».. ونصيحة لكل من يريد تحليل الحرام: لا تذهب إلى جماعة الإفتاء بل اتصل بأي «مفتي» تلفزيوني من النوع الذي يقول ان مشاهدة هيفاء وهبي والعجرمية من النوافل).. المهم: انتبهت إلى ان هناك سيدة تجلس بالقرب من الجهاز وتمد يدها لكل عابر، وخاصة من يسحبون نقودا من الجهاز، وبعد قليل رأيتها تنهض متثاقلة وتتجه نحو الصراف الآلي وتجري عمليات معقدة وتسحب منه «إيصالا» يفيد باكتمال الإجراء الذي قامت به.. يعني قامت بإيداع حصيلة يوم من التسول في البنك (والبنك لا يفتح حسابات للتعبانين ماليا).. أما أعجب حكايات التسول فقد عايشتها لساعات طوال، فقد كنت ضيفا لدى شخصية سعودية مرموقة في قرية النخيل السياحية بالدمام، وشاركنا الجلوس على مائدة تطل على البحر شيخ وقور حسن الهندام والمظهر، يستشهد في كلامه بالقرآن الكريم والحديث والشعر.. وتناولنا الطعام من مائدة حافلة بكل ما لذ وطاب، ثم استأذن ذلك العجوز وغادر المكان، فضحك مضيفي وقال إن الرجل ذاهب لتناول المزيد من الطعام مع الحراس الأمنيين في مدخل القرية وشرح لي كيف أن العجوز كان متسولا في منطقة الحرم المكي وبعد منع التسول هناك صار يتربص بالأغنياء (وهو يعرفهم واحدا واحدا بطول وعرض السعودية).. وأن التسول صار بالنسبة له «إدمانا» ومن ثم فإنه يترك الطعام الوفير الذي أمامه ويستمتع بتسول لقمة إضافية من حراس الأمن بالقرية، وأضاف أنه عرض على الرجل ترك التسول نظير راتب شهري قدره ثلاثون ألف ريال، «لأنه رجل كبير في السن وحسن التعليم ومن أسرة معروفة في بلد يجاور السعودية ولا يليق به ان يستجدي المال».. وقال لي مضيفي إنه اكتشف مصادفة أن رصيد الرجل المصرفي يبلغ نحو 400 مليون ريال (كان ذلك قبل نحو عشر سنوات) وأن مدير البنك شخصيا يخرج لملاقاته كلما أتى إلى البنك بوصفه عميلا يودع النقود ولا يسحبها.. قاطعته: ممكن تقنع الرجل أن يجعلني شريكا له في هذه البزنيس؟! هنا اقترح علي صاحبي أمرا: عندما يعود المتسول المليونير أطلب منه مساعدة مالية.. وفعلت فأجهش الرجل بالبكاء.. بكى بحرقة وقال: استبشرت بك خيرا وقلت سأخرج منك بغنيمة فإذا بك تطلب المال من شخص غلبان مثلي.. هذا الشخص معروف لدى الكثيرين في مدن السعودية الكبرى، ولديه حيلة عجيبة لجمع المال: يجلس في الصف الأمامي في الحرم المكي قبل الصلوات الخمس وما ان يشاهد شخصا ثريا معروفا حتى يتنازل له عن مكانه، ثم يلاحقه في ما بعد لأخذ «العمولة».
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]