الطاهر ساتي

‫يوم في ذاكرة الحياة ..!!

/

‫يوم في ذاكرة الحياة ..!!
** لو أعادوا مدارسنا ومناهجها ومناشطها إلى ما قبل (العام 90)، لصار الراهن والمستقبل أفضل..فالإحتفاء بعيد العلم كان بذات نشوة الإحتفاء بعيد الفطر .. يجمعنا ( أبو الفصل)، ليوزع المهام قبل العيد بشهرين، وكان أبو الفصل والداً لأبناء الفصل وليس محض مشرف، أو كما يسمونه اليوم..بعضنا يُكلف بجلب الجير والرمل والبوهية والأشجار والأزاهير ليزين فناء المدرسة وجدرانها ومداخلها، والبعض الآخر يُكلف بجلب الطوب والطين والجير وحبال البلاستيك وقطع الحديد لرسم وتخطيط وتنظيف وتسوير ميادين المدرسة ومساطبها المؤقتة والمعدة – خصيصاً – لأباء الفصول وضيوفهم..وهناك اللجان الطلابية التي تفرز أعمال المسرح حسب معالم الفرز التي يحددها (آباء الفصول)، وأعمال المسرح حزمة أشعار ودراما وغناء تتبارى الفصول في إيداعها – منذ شهرين – في صندوق مزين بعلم السودان عند مدخل مكتب الناظر ..!!

** فيأتي العيد، وتتخذ القرى – برجالها ونسائها وأطفالها – مدرستها مكاناً للفرح..صباحاً، في الميادين تتجلى روعة المشهد عندما ترتفع أعلام بلادي وتعانق الأناشيد زغاريد الأمهات وتصفيق الآباء، ثم تتحرك صفوفنا وتتماوج في الميادين وترسم النخيل والبحر والمراكب والسواقي، ثم تكتب : ( الله، الوطن، العلم)، ويكون المكان قد ضج بالتصفيق والزغاريد..ونبقى على حال اللوحات والشعار لحين إنتهاء طلاب الموسيقى من عزف النشيد الوطني وبعض الغناء الوطني و تراث الأهل ..ثم تتظم الصفوف في مسارتها السابقة، وتتلاشى اللوحات والشعار، وتحل محلها دوائر صغيرة يدخلها أطفال القرى وعلى رؤوسهم أطباق التمر والخبز البلدي والعصائر..فنترقب الصافرة لنلتهم تلك الطيبات خلال (نصف ساعة)، ثم نترقب صافرة أخرى لنعيد الدوائر الصغيرة إلى ذات الصفوف، ويكون النهار قد إنتصف.. ونتحرك، صفاً تلو صف، وأمام كل صف أبو الفصل يمشي ملكاً تحت ظلال ( علم السودان)..!!

** وهناك، يستقبلنا البائع والمشتري عند مدخل سوق القرى بفرح وتكون أناشيدنا قد أوقفت حركة البيع والشراء..ولأن توجيهات أباء الفصول تلزمنا بعدم تحريك الأيدى والأقدام إلا في إطار الحراك المنتظم وعدم تحريك الشفاه إلا لترديد النشيد، تصبح أرتال الحلوى والتمر التي ينثرها أهل السوق على رؤوسنا من نصيب الأطفال الذين يحيطون بنا من كل جانب، نضحك ونغمز لبعضنا ونغادر أكوام الحلوى والتمر رغم أنف الإشتهاء..ونصل مركز الشرطة، ويكون القائد أخرج أفراده عند المدخل ليحسن إستقبالنا، فنسمعهم نشيداً وآخر ونغادرهم بعد التحية ونشيد العلم، ونكون قد رفعنا علماً على سارية المركز..وهناك يتأهب مدير البوستة بعماله للإستقبال، وكذلك مدير الصحة وعمال النظافة، وأحسنت اللجان الطلابية بنصب سواري العلم عند كل المداخل المستهدفة بالوقوف عندها (ساعة زمن )..وترجع الصفوف إلى المدرسة، وتستقبل الفصول طلابها، فالوقت للوضوء والصلاة ثم إلتهام ( أطباق القراصة) التي جلبتها لجنة الغذاء من القرى المجاورة (قبل ساعة).. (ناشفة وباردة)، حسب وصف يومنا هذا وليس (ذاك اليوم) ..!!

** ثم تكتظ الملاعب بالجماهيرعصراً، وتتبارى الفصول في كرة القدم، المارثون، جر الحبل، سباق الحمير، السلة والطائرة، ملئ الأزيار بجرادل مقدودة، إلتهام البطيخ بلاسكين خلال ثوان، صب جوالات البلح على المساطب ثم عد البلح ثم اعادته إلى الجوالات خلال دقائق، و..ويضحك المكان وتكون وجوهنا قد إكتست بالغبار من أثر المنافسة، وتزيح الإبتسامات الغبار عن الوجوه حين ترفع الأيدي الكؤوس ويزين أباء الفصول الرقاب النحيلة بالميداليات، وتزغرد الأم ويعانقك الأب والعم والخال..وتغيب الشمس، وتمتلئ الملاعب بصفوف المصلين ثم يرحل الزحام إلى المدرسة..ويحيط السياج البشري بالمسرح..كل الأمكنة، على إمتداد القرى، (مظلمة ومهجورة) ، إلا المدرسة ومسرحها، فالحياة هنا ( عيد علم)..هكذا كانت التربية والتعليم، وهكذا كانت العلاقة بين أب الفصل وابنه التلميذ والمجتمع..ولم يكن بالبلد بترولاً ولا مشروع حضاري يُراجع في عهده سلوك المعلم عندما تضج الصحف بحالات الإغتصاب ..نهجكم لم يفسد المنهج فحسب، بل أفسد كل مناحي الحياة لحد توجس الأباء والأمهات حين يقصد صغارهم مدارسهم ..فما ذنبهم ، ليُعاقبوا بكم ولاة على مدارس وطنهم..؟؟‬

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]