جعفر عباس
حتى المحاضرات بلاش منها
المهم: صارت التجمعات الوحيدة التي أحرص على المشاركة فيها هي المحاضرات والندوات، ولكن فور انتهاء المحاضر أو المتحدثين الرئيسيين في ندوة من الكلام، أعطي نفسي أمرا عسكريا: للخلف دُر، ثم انصرف، وأفعل ذلك لأن عشرات التجارب علمتني أن الجمهور يفسد كل ما يقوله أصحاب الشأن على المنابر في المحاضرات والندوات، ويبدأ الإفساد فور فتح باب الأسئلة. ورغم أنه ما من ندوة او محاضرة تخلو من أسئلة ذكية و«في الصميم» فإن معظم من يطلبون الإذن لطرح أسئلة يتحولون إلى «محاضرين» أي ان الواحد منهم يمسك بالمايكرفون ليثبت أنه ليس أقل علما ممن طرح عبر المنبر، أو لأنه يستمتع بسماع صوته.
لنفترض مثلا أن قياديا عسكريا في المعارضة السورية اعتلى المنصة أمام جمع غفير ليتحدث تحديدا عن التحديات التي تواجههم في الميدان من نقص في العتاد والمؤن، والمدى الذي بلغته انتصارات المعارضة.. «أقطع دراعي» إذا لم يقف أحدهم لإعطاء الحضور درسا في تاريخ حزب البعث السوري، ويتلوه آخر ليقول: إذا الشعب يوما أراد الحياة… (لو كان الشابي حيّا لندم على قصيدته هذه وعلى بيت الشعر هذا بالتحديد لأنه مع أبيات أخرى من شاكلة «الأم مدرسة…./ عيد بأية حال عدت يا عيد، صار مضغة في أفواه حتى صار مثل الطعام المجتر).. وينهض ثالث ليعطي صاحبنا درسا في أهمية وحدة الصف وتعزيز الوحدة الوطنية.
وإذا لم تكن ممن يرتادون المحاضرات والندوات (وأنا في طريقي للانضمام إليك) أدعوك أن تتابع برنامجا تلفزيونيا تفاعليا، يتلقى فيه شخص ما أسئلة الجمهور عبر مختلف الوسائط… ولتقريب الصورة دعنا نضرب مثلا بما يحدث في كل القنوات الدينية: يجلس شيخ وقور وعالم لتلقي الأسئلة و: أهلا معنا السيدة أم سيسبان من الشيشان.. تفضلي.. هاتي سؤالك، فـ«تهات» سؤالها: السلام عليك.. والله إني أحبك في الله يا شيخ.. بذمتكم دا كلام؟ أليس واجب المسلم أن يحب أخاه المسلم في الله؟ هل أنا أحب حسين ومنصور وفاطمة وأم صجمة في «أوباما» أو «أليسا»؟ وقد يكون السؤال: يا شيخ أنا شغالة في خمارة فهل راتبي حرام؟ مثل هذا السؤال ينبغي أن يوجه الى فيفي عبده التي سألت شيخا أزهريا ما إذا كان الرقص في الملاهي في رمضان «حراما»، فقال لها: هو في غير رمضان حلال؟ وأتحداك لو تابعت برنامجا تلفزيونيا تفاعليا واحدا وتلقى مقدم البرنامج اتصالا هاتفيا من مشاهد / مستمع ثم طلب منه: لو سمحت خفِّض صوت التلفزيون.. ومثل هذا المشاهد يزعل لأنه أصلا يريد سماع صوته «لايف» في التلفزيون.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]