الطاهر ساتي

‫التأمين .. (خشم بيوت )


/

‫التأمين .. (خشم بيوت )
** قبل خمس سنوات، بعد غزوة أمدرمان مباشرة، تقدم الدكتور الفاتح عز الدين – معتمد أمدرمان يوم وعام الغزو – إلى سلطات الدولة العليا بمقترح شق ترعة غرب أمدرمان بحيث تكون محلية أمدرمان جزيرة محمية بالترعة وعصية على الغزو والغزاة..راقتني الفكرة، وكتبت ساخراً ( أحفروها)، ثم تأسفت على عدم تفكير أنصار الإمام المهدي في وسائل دفاع بدائية كهذه في أزمنة الغزو الإستعماري..والمهم، هناك خندق بطول أمدرمان، ولكن لم يكتمل تنفيذ نظرية (الدفاع بالترعة).. فالنظرية – حسب تصريح الفاتح عز الدين للرأي العام – لاتزال قيد النظر والدراسة بدهاليز وزارة الزراعة، وتكلفتها المتوقعة تتجاوز(مائتي مليون دولار) ..وتقريباً هذا المبلغ يكفي لشراء وتركيب رادار يغطي سماء أمدرمان ويكشف تفاصيل أرضها وما حولها لمن يشاء، ولكن العقول لم تبارح محطة الدفاع بالترعة والنظر و ( السواطير) ..!!

** على كل حال..التنظير في قواعد الحرب – دفاعاً كان أو هجوماً – لايعني الولاة والمعتمدين، ومن حسن عمل الوالي والمعتمد ترك تلك التفاصيل والقواعد وغيرها من شؤون الحرب والقتال لمن يعنيها، أي للعساكر.. ويتفرغ هو – أي الوالي والمعتمد – لمهامه الأساسية ذات الصلة بخدمات وإستقرار حياة الناس والمدائن والأرياف ..فالحياة العامة حزمة ثغور، ولا يأتي الخلل إلى هذه الحياة إلا حين يخطئ أحدهم في سد ثغرته أو حين لايتقن سدها أو يترك ثغرته ويزاحم الآخرين في ثغورهم ، وهذا التزاحم هو مربط فرس الزاوية..على سبيل المثال، الجندي حين يذهب إلى ميدان المعركة ليسد ثغرته بالدفاع أو بالهجوم، يكون قد ترك وراءه إبناً بحاجة إلى تعليم وأماً بحاجة إلى علاج وأسرة بحاجة إلى وسائل وخدمات الحياة الكريمة ..وعدم نجاح الوالي والمعتمد في سد ثغرتهما بعجزهما عن توفير وسائل وخدمات الحياة الكريمة لأسرة ذاك الجندي المرابط في خندق القتال، يعني إنهما هزما الجندي ..!!

** وعلى سبيل مثال آخر، وقد يكون الأوضح، نقرأ الخبر الآتي..(أعلنت اللجنة العليا للتعبئة والإستنفار بمحلية الخرطوم عن فتح معسكرات الدفاع الشعبي في السابع عشر من الشهر الجاري لإستيعاب أربعمائة مجند من قيادات المحلية لتكوين كتيبة إستراتيجية لتأمين المحلية)..حسناً، ولكن نسأل : ماذا يعني الخبر بتأمين محلية الخرطوم؟، وتأمينها من ماذا؟، وكيف؟.. بالتأكيد الأربعمائة الذين يستهدفهم المعسكر بالتدريب لهم مهام قيادية وذات صلة بخدمات الناس ( مدارساً كانت أو مشافي وغيرها).. فهل التأمين الحقيقي للعاصمة، في حثهم هذا النفر التنفيذي- بالحافز والعقاب – على إتقانهم لتلك المهام ذات الصلة بخدمات الناس أم في تغيببهم عن مواقع عملهم بتبرير ( التدريب في المعسكر)؟..وزارة الداخلية هي المعنية بحماية العاصمة وغيرها من مدائن وأرياف البلد بواسطة شرطتها.. وكذلك، وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية، هي المعنية بحماية وتأمين البلاد..أما المعتمد، وكذلك الوالي، فمهامها هي تأمين حياة أفراد أسر الذين يقاتلون تحت إمرة الجيش والشرطة وغيرها من القوات النظامية .. !!

** نعم، تأمين حياة أفراد أسر الجنود بالصحة والتعليم والمياه والكهرباء وغيرها من الخدمات هو التأمين الحقيقي لأي محلية و لأي ولاية، ولو إكتفى كل وال ومعتمد بإتقان هذا النوع من التأمين لما حدث ما يحدث حالياً.. تحويل البلد – بالإعلام الساذج والنهج السياسي غير الرشيد – إلى ( معسكر)، ليس تأميناً للمدائن والأرياف.. لسنا في حرب مع إسرائيل وأمريكا أو حتى (دولة جارة) ، بل حتى ساسة فلسطين الذين يصطلون بصواريخ إسرائيل آناء الليل وأطراف النهار، لم يجمدوا مناحى حياتهم الأخرى ويتفرغوا للحرب والإستنفار، ولو فعلوا ذلك لما إستقبلت جامعات الدنيا والعالمين – بما فيها جامعات السودان – الآلاف من طلاب فلسطين القادمين من تحت (نيران القصف)..!!

** ليست من الحكمة أن تعكروا صفو ما تبقت من حياة الناس والبلد بالتنطع و (الكوراك)..وليس من العقل أن تدهوروا ماتبقى من الإقتصاد والإستثمار و الإستقرار بالعاصمة والمدائن بالضجيج و(العنتريات).. وكذلك، على الإعلام الأشتر عدم تحويل أحداث أم روابة – التي لم تهز حتى إستقرار أهل الأبيض وتجارتهم وصناعتهم وزراعتهم – إلى حرب عالمية مسرحها السودان..قاتلوا بهدوء وسارعوا إلى السلام .. أي، فليزرع المزارع ويقاتل الجندي ويتعلم التلميذ وينتج المصنع، أو هكذا يجب أن يكون نهج ( المسؤول السياسي)..وإن كانت هناك ثمة إستنفار، فأستنفروا أنفسكم وشعبكم وبلدكم إلى سوح ( السلام والحرية والعدالة والإنتاج).. تلك هي أسوار التأمين التي يجب أن يوفرها السياسي، لينام ..(مطمئناً) ..!!‬

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]