جعفر عباس
الجلافة وباء.. والدواء متوفر (1)
والظاهرة المستجدة في مجتمعاتنا هي سوء الظن بالغرباء، والغرباء هنا ليسوا الأجانب أو الذين هبطوا من كواكب أخرى، بل الناس الذين لا تربطنا بهم علاقة قربى أو زمالة عمل أو «تعارف»… أي شخص ليس من أهل الحي الذي تسكن فيه «غريب»، بل إذا سكنت عائلة في البيت الملاصق لبيتك نالت لقب «أغراب» لحين إشعار آخر، ذلك لأن كل واحد منا يعيش داخل فقاعة خاصة به ويخشى عليها من الانفجار،.. تجلس في الطائرة في المقعد المخصص لك ولكن من سبقك إلى المقعد المجاور ينظر اليك وكأنك ستقطع جزءا من لحمه وتجلس عليه.. بل انظر قلة الذوق في مطاراتنا عند النداء على الركاب للتوجه إلى الطائرة: يتدافع الناس في البوابات وسلالم الطائرات وكأن من يدخل الطائرة أولا سينال جائزة نوبل للفيزياء، ومن يتأخر في الصعود إليها سيقف على الماسورة (كما نقول في السودان عمن يضطر للتنقل بالحافلات وقوفا هو ممسك بماسورة على امتداد السقف أو الأرضية لعدم وجود مقاعد كافية).. جرِّب ان تبقي الباب في ممر مستشفى?مثلا- مفتوحا كي يمر الآخرون وانظر كم واحدا منهم سيقول لك: شكرا؟! ربما يقولها واحد من بين كل عشرة، والنتيجة هي انك ستقرر ان تصبح جلفا مثلهم ولن تمسك بالباب كي يبقى مفتوحا حتى لو كان هناك شخص سيمر منه وراءك مباشرة.. فالجلافة مُعدية وسريعة الانتشار لأنها لا تتطلب جهدا، بينما حسن الخلق يأتي بترويض النفس وتدريبها على كظم الغيظ وعدم الاشتغال بتوافه الأمور وإدراك ان الآخرين يخطئون وأن الصفح عنهم أجمل من الانتقام.. ومعاملة الناس بالحسنى نوع من العمل الخيري الطوعي ومردوده يصون كبرياء المانح والمتلقي.. وإذا كنت تريد ان تتفرج على الجلافة «بالجملة» فقف على رصيف شارع وانظر كيف تتبارى السيارات في الانعطافات الخاطئة والتسابق الأرعن والتحرش بالمشاة بل انظر إلى المشاة أنفسهم وهم يقطعون الشوارع التي تضج بالحركة وكأنما الواحد منهم يتمشى في صالون «بيت أبوه».
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]