الجلافة وباء.. والدواء متوفر (2)
[JUSTIFY]
قد تصطدم غير عامد بشخص في السوق أو المستشفى، فيبادرك بقوله: عميان أنت؟ ماذا لو كنت أعمى بالفعل وأجبت عليه بنعم؟ سيهمهم بكلام غير مفهوم وينصرف من دون ان يعتذر لك لأنه اعتبر العمى نقيصة وعيبا! (يوم الخميس 2 مايو الجاري تابعت على قناة الشروق كفيفا سودانيا يروي كيف أنه كان يجلس في مقهى مع مجموعة من المكفوفين، فجاءهم متسول تلا موالا عن بؤس حاله فقال له أحدهم: الله كريم.. نحن مكفوفون.. فتساءل المتسول: شنو يعني «مكفوفون»؟ فقالوا له: كلنا عميانين، فصاح المتسول: كلمكم عميانين.. العن أبوكم). وانظر سلاطة اللسان عند نسائنا وقدرة بعضهن على الردح في الأماكن العامة: إنه نوع من العنف المهين أن تبادرك امرأة (سواء كنت أنت رجلا او امرأة) بكلام جارح لأنك – مثلا – كنت ساهيا ولم تسمعها وهي تطلب منك ان تفسح لها الطريق في سوق أو مرفق عام.. وهناك نساء يستغللن أن مجتمعاتنا تعامل المرأة باحترام (نسبي) على الأقل في الأماكن العامة فتنفجر في وجهك – إذا كنت رجلا – تقف أمام محصل النقود في متجر بكلام يراد منه ان تجعلها تسبقك وتسبق غيرك في دفع قيمة مشترياتها: استحي على وجهك وافسح الطريق للحريم! وتخيل أنك قابلت جلافتها بالمثل وقلت: بس وين الحريم؟ ستنفتح حنفية تصب عليك كلاما ملوثا يجعلك تتمنى لو لم يتزوج أبوك بأمك!! وأنظر حال فلان وعلان من الوجهاء وكبار الشخصيات الذين تلتقي بهم في مجالس الأنس او الاجتماعات الرسمية، فتراهم في منتهى التهذيب.. ألفاظهم منتقاة: تفضل.. نقطة نظام لو سمحت.. احترم وجهة نظرك بس اعتقد.. (وهناك العبارة البلهاء «من دون مقاطعة/ من دون قطع كلامك» كيف تعلن انك لا تود قطع حديثي وأنت قد قطعته و… انتهيت).. ثم تذكر يوم زرته في مكتبه وكيف كان يستدعي الموظفين فيدخلون عليه ويلقون التحية فلا يرد عليه حتى بأسوأ منها.. ثم يصيح في بعضهم: ما هذا الكلام الفارغ؟ لمتى (الى متى) سيظل مخك زلط؟ ويدخل عليه بعض المواطنين من ذوي الحاجات فيقول لبعضهم إنه ليس «فاضي» (مع أنه جالس معك يتحدث عن نتيجة مباراة كرة او فيلم خليع قام بتهريبه مؤخرا).. ثم يأتي مواطنون – أيضا ذوي حاجات- ولكنهم يبادرونه بأنهم «من طرف فلان»، فيهش للقائهم وينادي على كتيبة من موظفيه ويأمرهم بقضاء تلك الحاجات «الحين»!.. قصدي ان أقول ان هناك من يمثل دور الشخص المهذب في ظروف معينة ويرجع إلى أصله الجلف الوقح عندما يتعامل مع من يحسبهم دونه مكانة اجتماعية او وظيفية.
لا يجوز التعامل بانتقائية في أمور التهذيب ومكارم الأخلاق وحسن الأدب، والمهذب حقيقة لا يميز بين كبير وصغير وقريب وغريب وفقير وهامور.. والأناقة والوجاهة وانتقاء العبارات في مجالس معينة لا يجعل منك شخصا مهذبا إذا كنت من النوع الذي يمر بشارع يلعب فيه صغار وفلتت منهم كرة واصطدمت بثيابك الكشخة فصحت فيهم: يا أولاد ال- – – -! ما عندكم أهل يربونكم؟ حكمت على صغار ابرياء بسوء التربية لأن كرة طاشت من بين أرجلهم بينما كنت الليلة الماضية تلقي خطبة عصماء تبرر بها كيف أضاع لاعب فريق تشجعه ضربتي جزاء! تعرفون لو كنت أملك ثروة لكان أول ما أفعله هو الاستعانة بسائق والجلوس جواره واضعا عصابة سوداء على عيني كي لا أرى جسامة قلة الذوق والجلافة لدى معظم سائقي السيارات في شوارع مدننا.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]