جعفر عباس

فيرجسون والأفق البعيد

فيرجسون والأفق البعيد
[JUSTIFY] سيكون مقالي هذا مفاجأة لمن يقرأون لي بانتظام، لأنني سأتحدث اليوم عن كرة القدم بأسلوب ودّي ينم عن أنني «أفهم فيها»، بعكس ما كانت توحي به مقالاتي التي كنت أؤكد فيها أن كراهيتي لعلم الرياضيات قادتني الى كراهية الرياضة، وعلى نحو خاص كرة القدم، ورغم أنه لم يحدث قطّ أن تابعت مباراة كرة قدم على الشاشة خلال الثلاثين عاما الأخيرة، وبداهة لم أدخل استادا لكرة القدم منذ ان أكملت المرحلة الثانوية، فانني ظللت في دواخل تلافيف قلبي من المعجبين بنادي مانشستر يونايتد الإنجليزي، وإذا شئت أن تقول إنني «عميل» لأن قلبي لم يتعلق بأي ناد عربي أو افريقي فأنت حر، ولكنك على خطأ، فقد ابتعدت عن الكرة أساسا تفاديا لوجع القلب الذي سببته لي الأندية العربية، ليس فقط لأنها أدمنت الخسارة والفشل، ولكن لأن الكرة تتقدم في كل مناطق العالم بينما هي تتدهور عندنا برغم ما نغدقه عليها من مليارات، ولا أرى متعة في مشاهدة الرفس والعك الذي يدور في ملاعبنا.
وما حملني على الكتابة عن كرة القدم اليوم، هو حزني الصادق لاعتزال مدرب مانشستر يونايتد أليكس فيرجسون الذي قاد الفريق الى 38 بطولة من بينها 13 في الدوري الإنجليزي الممتاز، وهو إنجاز لم يحققه مدرب كرة عبر التاريخ، بل لا أعتقد أنه إنجاز قابل للتكرار، والجدير بالتقدير على هذا الإنجاز ليس فيرجسون شخصيا، بل الإدارات المتعاقبة على النادي التي أسلمته أمور إدارة شؤون الكرة لأكثر من 26 سنة وتركت الفريق تحت إشرافه خلال 1500 مباراة… وعندما تولى فيرجسون تدريب الفريق فشل فشلا ذريعا في الموسمين الأولين، ولكنه لم يكن من صنف المديرين والمدربين الذين يعملون بأسلوب رزق اليوم باليوم، ففي حين يركز معظم المدربين أنظارهم على المباراة/ المباريات المقبلة، ظل فيرجسون يركز نظراته على الأفق البعيد ولهذا أسس مدرسة لكرة القدم في إستاد أولد ترافورد وهو الإستاد الذي أنجب لاعبين «فلتة» أمثال ديفيد بيكام ورايان غيغز وسكولز وغيرهم من دون أن ينفق على شرائهم جنيها واحدا.
ونحن نأتي لفرق كرة القدم عندنا بأفضل المدربين الأجانب، وندفع لهم رواتب وحوافز لا يحلم بها مديرو أنجح المصارف، ولكن ما ان يخسر فريق ما مباراتين متتاليتين، أو يصل الى نهائي «بطولة» ما ثم يخرج خالي الوفاض لأن اللاعبين أضاعوا أربع ضربات جزاء من بين خمس، حتى نقول للمدرب أعطنا عرض أكتافك، ثم ندفع له عشرات الملايين كـ«تعويض» حسبما ينص عقد توظيفه.. نحن نريد «نتائج وكؤوسا» فورية وإلا فالمطار يفوت قافلة من الجمال.. ولنفس السبب يتغير عندنا مديرو البنوك والشركات والمؤسسات كل بضع سنوات، لأننا قصيرو النظر ولا نحب بعيدي النظر الذين يخططون للنجاح على المدى البعيد.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]