جعفر عباس

لنؤمن بالقضاء ونلجأ إلى القضاء

لنؤمن بالقضاء ونلجأ إلى القضاء
[JUSTIFY] كتبت مؤخرا عن ضبط السلطات السعودية 16 ألف شهادة مزورة موثقة وجاهزة للتوزيع، والمسألة «لا تفرِق» معنا لأن حاملي الشهادات الأصلية «يتجحشون» بعد فوزهم بمناصب عالية فيرتدون إلى الأمية، واليوم أتناول تزويرا من نوع مخيف ومرعب، ففي مطلع مايو الجاري حذر البروفيسور أولريش فولش رئيس نقابة أطباء الأمراض الباطنة في ألمانيا، من أن في الصيدليات في ألمانيا أدوية مغشوشة قيمتها نحو 65 مليار دولار، والكارثة هي أن الكثير من تلك الأدوية المضروبة تتعلق بأمراض القلب وضغط الدم والسكري والسرطان، ومعظمها بلا مفعول بينما بعضها نتائجه على الصحة مدمرة، وقال البروفيسور فولش إن مصدر ثلثي تلك الأدوية المغشوشة هو دول شرق آسيا وعلى رأسها الصين وهونغ كونغ (التي هي الصين أيضا)، موضحا في ذات الوقت أن المخدرات القوية مثل الهيروين والكوكايين تحقق أرباحا تعادل كلفة إنتاجها 25 مرة في حين أن الأدوية المغشوشة تحقق أرباحا تعادل كلفة انتاجها 200 مرة على الأقل.
هل من حقك أن تقول: وما لنا نحن وما يحدث في ألمانيا؟ والرد هو: ما لنا ونص وخمسة، لأنه لو صارت ألمانيا بلد الضبط والربط والتشدد المهني والرقابة الصارمة على كل صنوف منتجات المصانع، سوقا لأدوية مضروبة قيمتها 56 مليار دولار، فكم قيمة الأدوية في زرائبنا المفتوحة حيث يستطيع تاجر بطيخ وليمون أن يسافر إلى شرق آسيا ويعود محملا بأدوية فالصو تحمل صناديقها أسماء شركات أدوية عالمية معروفة ومحترمة، ويوزعها على الصيدليات،… قبل شهور دخلت في الخرطوم صيدلية يديرها صديق عزيز واشتريت دواء من صنع شركة روش الألمانية ذات السمعة العالية الطيبة، وقلت له إنه مكتوب على علبة الدواء: لا تشتر هذا الدواء إذا كان الخاتم laes مفضوضا/ مكسورا، بينما ليس على العلبة أثر لخاتم، فأتاني صاحبي بثلاثة عقاقير طبية من انتاج روش وعليها نفس العبارة التحذيرية وجميعها بلا «خاتم»، فسألته: ألا يعني هذا أن هذا الدواء مغشوش، فكان رده: جائز جدا يكون مغشوشا ولكنني اشتريته من موزع يقال إنه معتمد، ثم أضاف: المهم، حتى الآن لم نسمع بحالة وفاة او تسمم نتيجة لتناول هذه الأدوية.
هذه الإضافة في إجابة صديقي الصيدلاني هي أس المشكلة وبيت القصيد والعصيد، لأن مصيبتنا تكمن في أننا لا نشتكي الأطباء حتى لو ارتكبوا في حقنا أو حق من يهمنا أمرهم أخطاء قاتلة عن إهمال، وقد يكتشف أحدنا ان الدواء الذي اشتراه من الصيدلية صلاحيته منتهية، وفي غالب الأحوال فإنه يعود إلى الصيدلية ليلعن خاشهم: يا حرامية يا مستهبلين، ولكن سرعان ما يتم تطييب خاطره: معليش كنا نقوم بالجرد السنوي والتخلص من الأدوية ذات الصلاحية المنتهية، ولكن الدواء الذي اشتريته ظل على الرف بسبب إهمال مساعد الصيدلاني، وخذ علبة دواء إضافية مجانية وفوقها علبة فيتامين «د»… والسر في ذلك هو أننا نعتقد خطأ أن الشكوى من الأخطاء الطبية أو في توصيف وتوزيع الدواء شكل من أشكال رفض «القضاء والقدر».. لا يا جماعة، فالأمر ليس كذلك، والسكوت على مثل هذه الأخطاء يجعل الساكت شريكا في جريمة.. ولهذا سنظل نؤمن بالقدر والقضاء، ولكن ينبغي أن نلجأ إلى القضاء لملاحقة الذين يستهترون بأرواحنا ليملأوا جيوبهم بالأموال الحرام.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]