جعفر عباس

التفوق الأكاديمي والبطيخ

التفوق الأكاديمي والبطيخ
[JUSTIFY] اللورد روبرت ونستون، من أشهر علماء بريطانيا، ويحمل لقب بروفسر عن جدارة واستحقاق، ورغم أن تخصصه الأساسي هو الطب والجراحة، وله انجازات مشهودة في هذا المجال، فانه نال شهرته كباحث وصاحب مختبر للأبحاث الطبية، وهو صاحب أنجح برنامجين علميين في تاريخ التلفزيون في بريطانيا (قدمها من خلال قناة بي بي سي) وهما child of our time «طفل زمننا المعاصر»، وthe human body الجسم البشري، وخلال محاضرة قدمها في العاشر من مايو الجاري في أكاديمية كلابتن للبنات فجّر ونستون قنبلة مازال دويُّها يتردد عبر أعمدة صحف بريطانيا.. قال ونستون: في مختبر الأبحاث الذي أديره لا مكان لخريجي الجامعات الذين يحملون مرتبة الشرف من الدرجة الأولى.. بالذمة دا كلام يا عم ونستون؟ معقولة ترفض الخريجين العباقرة وتوظف خريجين بدرجات أقل؟ كان رد بروفسر ونستون: بلا عباقرة بلا بطيخ.. الذين يتخرجون بمراتب الشرف العليا قد يعرفون الكثير عن مجالات تخصصهم، ولكن معظمهم دراويش في كل ما يتعلق بالحياة، ولأن المهووسين بالتفوق لا يخصصون وقتا للعلاقات الاجتماعية فإنهم ينشأون انعزاليين ولا يستطيعون ان يعملوا بروح الفريق مع الآخرين عندما يدخلون الحياة العملية.. وقد أثبتت لي التجارب والوقائع أن هناك كثيرين يحملون لقب علماء ولكنهم في منتهى الغباء، وأن الطلاب المتفوقين بما هو أقل من مرتبة الشرف يملكون القدرة على الإبداع والاجتهاد وجعل أجواء العمل مبهجة.
ما أن ذاعت أقوال ونستون هذه حتى استعادت الصحف ما كتبه جوليان تان الذي كان طالبا في جامعة كيمبردج وتفوق فيها حتى نال الدكتوراه.. حيث قال في مقال صحفي: كم أنا حزين رغم أنني تلقيت تعليمي في واحدة من أفضل الجامعات في العالم، على العمر الذي ضاع كله في الدراسة والمذاكرة ودهاليز المكتبات، ففشلت خلال سنوات الدراسة في تشكيل صداقات، ولم أعرف شيئا حتى عن المطاعم التي حول الجامعة ولا عما يسمى بالحياة الجامعية.. الكلمتان الأخيرتان مهمتان جدا: الحياة الجامعية، فالجامعة ليس فقط محاضرات وامتحانات ومقالات ودراسات، بل هي جمعيات ثقافية ورياضية وترفيهية وندوات وجدل و«عفرتة مقننة»، وإذا تلقى شخص ما تعليما في جامعة فيها مختلف الأنشطة بعد نهاية اليوم الدراسي، تجده يحافظ على علاقاته مع من شاركوه تلك الأنشطة، ولو كانوا في كليات غير كليته، أكثر من محافظته على علاقاته مع زملاء الكلية «الرخمين» الذين كانت كل حياتهم الجامعية: من المحاضرة إلى المكتبة إلى السرير.. والمحزن ان معظم الجامعات العربية تُدار بنفس طريقة المدارس الابتدائية: الدرس انتهى لموا الكراريس وتغلق الأبواب وتطفأ الأنوار، وحاول أن تزور جامعة عربية وستفاجأ بجماعة الأمن يمنعونك ما لم تكن تحمل تصريحا بالزيارة من جهة معتمدة من الجامعة، وقد دخلت على مر السنين حرم جامعات مثل كيمبردج وبوسطن وبنسلفاينا وفلادلفيا ولندن وثلاث جامعات ماليزية ولم يسألني أحد عن تصريح أو «إذن»، لأنها أصلا جامعات معظمها بلا أبواب أو أسوار.
وليس معنى هذا إنني أشجع الطلاب الجامعين على تفادي التفوق الأكاديمي، بل معناه أنني أريد لهم ان يتفوقوا أكاديميا واجتماعيا وثقافيا، فالجامعة هي المرحلة التي ينال فيها الطالب/ الطالبة الحكم الذاتي، وليس فيها عقاب بدني أو حتى شتائم يوجهها المدرسون الى الدارسين (هكذا كان حال الجامعات على أيامنا ولكنني أسمع اليوم عن أساتذة يخاطبون طلابهم بمفردات من نوع: لطخ.. غبي.. حيوان).. والحكم الذاتي الرشيد هو حسن إنفاق الوقت في ما يفيد، وإذا كانت الجامعة تستحق اسمها فينبغي أن يكون ما هو مفيد خارج قاعات المحاضرات أكثر من الفوائد التي يجنيها الطالب من الاستماع إلى المحاضرات.. وغدا نواصل بإذن الله.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]