الطاهر ساتي

العب لصالح ورقك


/

العب لصالح ورقك
** (النائحة المستأجرة)، من المهن النسائية الرائجة بإحدى العواصم العربية.. وإذا ساقك القدر الى تلك العاصمة المدهشة، إطلع على إصدارتهم الإعلانية، لتقرأ النص الإعلاني : ( مدام فيفي، لتلبية كافة خدمات العزاء بصوتها الرخيم، تلفون …)، أوهكذا تعلن عن رغبتها وإستعدادها لتقديم (خدمة النواح).. ولأن أجرها بالساعة، يتصل أهل المتوفي بالنائحة قبل ساعة من التشييع الجثمان..فتأتي وتطلب السيرة الذاتية للمرحوم وأسرته وآثار فقده على العائلة وغيرها من المعلومات التي تمكنها من تقديم خدمة النواح بدقة وإتقان..ومع تحرك القوم بالجثمان، تبدأ النائحة في تقديم خدمتها، وهي بالطريقة السودانية كالآتي : ( الليلة الرماد كالنا ياحماد، خليتنا لي منو يا حماد؟، الترابة في خشمنا يا حماد، وووب علينا ياحماد)، أوهكذا يكون أنينها..ولكن بلا دموع، إذ علاقتها بالمرحوم حماد لاتتجاوز بضعة جنيهات (أجر ساعة) ..!!

** ولو كان نواح الدول – كما نواح نائحات تلك العاصمة – بالإيجار، لصارت دولتنا من الدول العظمى في مجال تصدير النواح المدفوع الثمن.. ولكن للأسف، ليست هناك قيمة لنواح الحكومات، ولذلك تنوح حكومة بلدنا- لمصائب الآخرين وإنابة عن المصابين – على مدار العام (مجاناً)..عفواً، حكومة بلدنا لاتكتفي بالنواح المجاني، بل كثيراً ما تشارك من حر مالنا في دعم مراسم مصائب الآخرين وقضاياهم، أي كما حالها مع قضايا الصومال وجزر القمر وفلسطين وغيرها من الدول التي مصائب شعوبها ومعاناتها مُقدمة على مصائب ومعاناة شعبنا في أجندة حكومتنا( الطيبة أوي).. وعليه، لحين تحسن إقتصادنا وعودة الروح لجنيهنا، نأمل أن تكتفي حكومة بلدنا بالنواح المجاني لمصائب الآخرين، وليس من العقل أن تنوح مجاناً في مصائبهم و(كمان تدفع)..!!

** ثم، وهنا مربط فرس الزاوية، يلوح في الأفق حدث.. مصر تنوح منذ إعلان إثيوبيا عن بداية العمل في تحويل مجرى النيل الأزرق في إطار إنشاء (سد الألفية)..ومصر في حدث كهذا ( نائحة ثكلى)، إذ هي دولة مصب ولها حق النوح حزناً وتوجساً على حصتها من المياه.. فالسودان، بفضل الله، ليس بدولة مصب، أوكما يظن البعض..فالسواد الأعظم من خبراء المياه صنفوا دولتنا بانها إن لم تكن (دولة منبع)، فهي (دولة عبور).. فالأمطار التي تهطل على أرض بلادنا تكفينا عوضاً عن مياه النيل الأزرق كلها، ناهيك عن التي يحجزها سد الألفية، ومع ذلك حين لانحسن إستغلالها تصب في نهر النيل وتجري شمالاً إلى (دولة المصب)..وكذلك، منذ العام 1929، حيث عام إتفاقية المياه، ثم العام 1959 حيث عام إكمال تلك الإتفاقية، وإلى يومنا هذا، لم يستغل السودان نصف حصته من مياه النيل (18.5 مليار متر مكعب)..أما المياه الجوفية، والمقدرة من قبل الخبراء بأنها تعادل مائة مرة من حجم المياه فوق الأرض، فهي في (الحفظ والصون)، لعجز حكوماتنا عن إستغلالها..وعليه، كل مياهنا – حتى ولو تم إستغلاها بما يكفي حاجة شعبنا وزرعنا وضرعنا- تفيض عن حاجتنا، ولذلك ليس هناك من داع للنوح حين تنشئ إثيوبيا سدها العظيم .. !!

** فالسد الإثيوبي لتوليد الكهرباء، ولو كانت لإثيوبيا أرض زراعية ذات مساحة تستدعي إنشاء السدود لما إحتل زراعها ( الفشقة السودانية)..فلتدع الحكومة النواح المجاني لصالح مصر، ولتبارك للدولة الجارة سدها ثم تعمل على كيفية التعاون معها لصالح الشعبين والبلدين..وكما أن إثيوبيا بحاجة إلى السودان لتصدير و تسويق طاقتها الكهربائية المرتقبة، فالسودان أيضا بحاجة إلى تلك الطاقة..ولقد أحسن وزير الموارد المائية، أسامة عبد الله، قولاً – بتاريخ 18 ديسمبر 2012 – للرأي العام : (السد الإثيوبي مفيد ويشكل إضافة للسودان)..فليكن هذا موقفاً رسمياً وواضحاً، بدلا عن ( اللولوة)، و( النواح المجاني)..لماذا تغير الموقف الحكومي – فجأة كده – من سد الألفية ؟، ولماذا تتباكى حكومة دولتنا لصالح حكومة دولة أخرى؟.. تعاونوا مع الآخرين لصالح شعبنا وليس لصالح الشعوب الأخرى، فالسياسة العالمية والإقليمية ( لعبة مصالح)، وليست محض (مشاعر وعواطف وإمعة )..اكرموا بلادنا – ولو مرة في تاريخ سلطتكم – باللعب لصالح شعبها في الملاعب الإقليمية والدولية، هذا ما لم يكن قدركم آداء دور النائحة غير الثكلى ( مجاناً)، بل ( كمان تدفعوا) ..!!‬

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]