قمة العشرين على صفيح ساخن :الكساد الجماعي والجوع يهددان العالم
قالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن الاقتصاد العالمي يمر بأعمق كساد جماعي وتوقعت أن ينكمش هذا العام بوتيرة أسرع مما هو متوقع متسببا في مضاعفة أعداد العاطلين، على أن يعود إلى الانتعاش العام المقبل.
ويمثل تحليل المنظمة مؤشرا إضافيا على صعوبة المهمة التي تواجه قادة دول مجموعة العشرين الذين يبحثون غدا الخميس في لندن آليات محددة لمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية العالمية.
وتضم هذه المنظمة ثلاثين دولة من بينها دول تنتمي لمجموعة الثماني كالولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وكندا، ومعظم الأعضاء فيها دول غربية بالإضافة إلى كوريا الجنوبية والمكسيك وتركيا.
ووفقا لبيانات المنظمة، ستنكمش اقتصادات الدول الأعضاء فيها بمعدل 4.3% هذا العام. وكانت تقديرات سابقة نشرت في نهاية 2008 قد أفادت أن نسبة الانكماش العامة للدول الثلاثين لن تتعدى 0.4%.
وقالت المنظمة إن «اقتصاد العالم دخل أعمق حالة كساد جماعي في عهدنا نتيجة الأزمة المالية ويتعمق بانهيار التجارة» وأضافت المنظمة «نحن نتوقع أن يسوء الانكماش الراهن في الأداء الاقتصادي هذا العام قبل أن تبدأ سياسات الإنعاش في تحقيق نتائج خلال عام 2010».
وأضاف «أثر الكساد على المجتمعات سيكون كبيرا جدا» مشيرا إلى أن معدلات البطالة قد تزيد على 9% في أغلب الدول لأول مرة منذ أوائل تسعينات القرن العشرين.
الى ذلك قالت الامم المتحدة أمس ان انخفاضا في اسعار الحبوب يؤدى الى انطباع بان الامن الغذائي لم يعد مثار قلق ولكن عدد الناس الذين لايجدون ما يكفي من الطعام مازال يرتفع في عالم يواجه الركود.
وقال جاك ضيوف الامين العام لمنظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة «الفاو» «مازال مستوى الاسعار مرتفعا بنسبة 19 في المئة عما كان عليه في عام 2006..ولذا ما زلنا في فترة الاسعار المرتفعة».
علاوة على ذلك اظهرت دراسات الفاو الاخيرة انه على الرغم من انخفاض الاسعار في الاسواق الدولية فان اسعار البيع بالتجزئة في غالبية الدول النامية لم تنخفض.
وقال ضيوف «والازمة ليست هنا فحسب بل فاقمت منها الازمة المالية والاقتصادية»، وذكر ان محزونات الحبوب انخفضت الى ادني مستوى لها خلال 30 عاما ووصف الموقف بانه «هش للغاية» وتابع «نخشى انه اذا ما حدثت ظروف مناخية صعبة تؤثر على الانتاج سنعود الى ما كنا عليه في عام 2007. لقد شهدنا فيضانات خطيرة في امريكا الشمالية والجنوب الافريقي».
وتقدر الفاو ان اكثر من مليار شخص في العالم سيعانون الجوع هذا العام بسبب الاثار المجتمعة للازمة الاقتصادية العالمية واسعار الغذاء العالية.
ويرتفع عدد الاشخاص الذين يعانون من الجوع بشكل مزمن بانتظام وتبلغ نسبة الزيادة نحو 75 مليون في عام 2007 ونحو 40 مليون في عام 2008. وبحلول عام 2008 كان 963 مليونا يعانون من نقص التغذية ثلثاهم تقريبا في منطقة اسيا والمحيط الهادي.
وقال ضيوف ان المعونة يتعين توجيهها ثانية الى الزراعة ، وزاد «اول واهم عنصر هو الحاجة الى الاستثمار في الانتاج الزراعي «لمكافحة الجوع» ويستلزم ذلك 30 مليار دولار سنويا».
وهذا المبلغ الذي يكفي لمساعدة 500 مليون مزارع صغير كان يمكن ان يعتبر عاليا في الماضي ولكن ضيوف يضعها في سياق تريليونات الدولارات التي ضختها الحكومات الغربية في مشاريع لحفز اقتصادياتها.
وتقول الفاو انه بين عامي 2006 و2008 ارتفعت اسعار الاسمدة 170 في المئة كما ارتفعت اسعار البذور وعلف الحيوانات بنسبة 70 في المئة على الاقل مما وضعها خارج امكانيات صغار المزارعين.
وأفاد ضيوف ان مانحي المعونة بحاجة الى ضمان عودة التمويل الزراعي الى مستويات اواخر السبعينيات واوائل الثمانينيات عندما كان 17 في المئة من معونة التنمية الخارجية تذهب الى الزراعة مما سهل «الثورة الخضراء» في اسيا وامريكا اللاتينية.، وبحلول العقد الحالي انخفضت هذه الحصة الى ثلاثة في المئة فقط.
وعلى صعيد قمة العشرين التي ستلتئم غدا فى لندن ستكون مهمة نادي»بريتون وودز – 2» صعبة جدا في ظل تصاعد التهديدات الداخلية والخارجية حيث لم يعد احتواء الازمة الاقتصادية العالمية و»اصلاح» النظام المالي العالمي الهاجس الاول لمجموعة العشرين، بل بات نجاح القمة مرتبطا بمدى قدرتها على معالجة الإنقسامات الحادة بين قادة العالم.
وإستعدت عاصمة الضباب – كما ينبغي – لـعسكرة «اكسيل» مقر القمة الثانية لقادة مجموعة العشرين، وتوفير الإجراءات الأمنية «الاستثنائية»، لا سيما بعد أن تلقت السلطات البريطانية العديد من التحذيرات والمعلومات المؤكدة بشأن احتمال وجود ما قد يعكر صفو القمة، هذا إضافة إلى مظاهرات آلاف المحتجين من مناهضي العولمة.
وإكتشفت الشرطة البريطانية «مخططا إرهابيا» لضرب قمة العشرين، إذ يقول مسؤولو الأمن إنهم عثروا على كميات من الأسلحة النارية الخفيفة والسكاكين، بالإضافة إلى «أجهزة مريبة» كان يعتزم من يقف وراء المخطط استخدامها لعرقلة أعمال القمة.
غير أن ساركوزي فجر موقفا أكثر خطورة قد يطيح بأحلام المشاركين في إتفاق ينتشل الاقتصاد العالمي من الركود، حيث هدّد بتخريب قمة مجموعة العشرين التي تستضيفها لندن غدا والإنسحاب منها في حال لم تستجب إلى مطالب بلاده بفرض ضوابط مالية صارمة.
ونسبت صحيفة التايمز البريطانية إلى نائب رئيس موظفي قصر الإيليزيه كزافييه موسكا قوله، «إن فرنسا لن تقبل أن تقوم مجموعة العشرين بانتاج نجاحات مزيفة وبلغة لا تتضمّن أية إلتزامات».
وردا على سؤال حول ما إذا كان ذلك يعني انسحاباً محتملاً من القمة، أجاب موسكا «القاعدة المتبعة في الرادع النووي هي أن لا تقول في أية مرحلة ستستخدم هذا السلاح».
وتطالب فرنسا بوضع ضوابط صارمة للنظام المالي العالمي، لكن واشنطن ولندن عارضتا هذا الإقتراح ووصفه رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون بـ «السخيف».
ويعكس تهديد ساركوزي بلبلة بين قادة العالم، إذ تقود فرنسا وألمانيا التيار المعارض لخطط تنسيق الإنفاق العام التي تنادي بها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما.
واعترف رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون بأن القمة ستشهد «مفاوضات شاقة» من أجل التوصل إلى اتفاق، وحث قادة العالم على «الارتفاع إلى مستوى التحدي» للتغلب على الركود العالمي. بيد أن أوباما يواجه لوحده أول اختبار قوة في مدينة الضباب وقد حشد لها ما يلزم من أدوات كزعيم للقوة العظمي الوحيدة في العالم .
يرى مراقبون أن زيارة اوباما الأولي لأوروبا قد تعرضه لمخاطر سياسية جديدة، وتعرض أمريكا للعزلة وسط تنامي المواقف المضادة لاستراتيجياتها.
وقد يعاني أوباما سلسلة من الرفض من جانب زعماء أوروبا الذين لن يسعوا لاعادة صياغة علاقتهم مع أمريكا بعد 8 سنوات من التعامل الفظ مع ادارة بوش.
غير أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أكدت ان الاختلافات بين الاستراتيجيات الاقتصادية لا يجب أن تعزل الولايات المتحدة عن حلفائها الأوروبيين.
ورحبت ميركل في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» بالرئيس الأميركي باراك أوباما في قمة العشرين ولكنها أبت تغيير موقفها من الإنفاق على الحوافز الاقتصادية.
كما لم تفوت الفرصة لإسداء بعض النصائح للولايات المتحدة، بضروة تبني مقاربة محافظة أكثر وتكبح جماح الإنفاق بعد أن أخذت خطط التحفيز المالي مجراها.
وحملت، كل من فرنسا وألمانيا، الولايات المتحدة الامريكية مسؤولية الازمة المالية العالمية الراهنة، معتبرتان أن على أمريكا تغيير سلوك التعالي تجاه الاتحاد الاوروبي.
يذكر أن مجموعة العشرين تمثل «90% من اجمالي الناتج الداخلي العالمي و80% من التجارة العالمية «بما في ذلك المبادلات التجارية داخل الاتحاد الاوروبي» وثلثي سكان العالم»، ما يعطيها وزنا سياسيا وشرعية واسعة.
المصدر :الصحافة