في ظل الاعتماد على الذهب كمورد رئيسي لاقتصاد البلاد.. مطالبات بين يدي متخذي القرار للتفكير في الآثار الناجمة عن عدم توقيع على اتفاقية تحضّ على تجنب الزئبق واستخدام بدائل آمنة
حسناً، أحاديث كثيرة كانت قد خرجت من حناجر المسؤولين تندد باستخدام المعدنين الأهليين لمادة الزئبق السامة من خلال إرشادات توعوية وأجهزة يتم استجلابها من الخارج لتقليل استخدام خطر المادة القاتلة غير أنه ورغم كل ذلك، فإن الوضع يمكن أن يوصف بأنه بالغ السوء في تلك المناطق الصحراوية أو تلك المجاورة لمجرى الأنهار، فتسرب الزئبق إليها يشير إلى كارثة بيئية محققة تتنامى مع مرور الأيام، إلا أنه من الغريب في ظل هذه الأوضاع القاتمة يبدو غريباً على السودان عدم سعيه للتوقيع على اتفاقية مناهضة لاستخدام الزئبق والمقرر عقدها باليابان في منتصف أكتوبر الحالي في ظل توقعات ومساعي وزارة المعادن بالنهوض بالمهنة وتنظيم العمل والأنشطة في استكشاف وتنقيب صادر الذهب واستجلاب التقنية والمواد البديلة اللازمة لذلك.
منظمات المجتمع المدني كانت قد تنادت ورفعت مذكرة لرئيس الجمهورية تنتقد فيها مسلك الدولة بعدم توقيعها على الاتفاقية التي قُرر لها شهر أكتوبر الماضي في مدينة طوكيو باليابان.. في الوقت الذي كانت تعتقد أن السودان سيكون من طليعة الدول الموقعة على الاتفاقية نسبة لاستخدام المعدنيين الأهليين لمادة الزئبق في الأنشطة التعدينية في عدة مناطق بالسودان، ونسبة لعدم توفر البدائل أو نتيجة للأسعار الرخيصة لسنوات خلت حتى اليوم في ظل وجود المخاطر المصاحبة والتوعية البيئية والصحية التي تنادي بعدم استخدام الزئبق لما له من أضرار صحية مباشرة للإنسان، علاوة على الأضرار البيئية للتربة والمياه وكملوث لا يمكن احتواء ضرره أو معالجته ولو بعد سنوات.
تقول منظمات المجتمع المدني في المذكرة التي تحصلت (اليوم التالي) على نسخة منها، إن الأبحاث والدراسات توصلت لوجود بدائل آمنة وبديلة للزئبق أصبحت في متناول البلدان، بجانب وجود توفير دعم للبلدان التي ترغب في التحول عن استخدام الزئبق إلى الاقتصاد الأخضر كما حدث في توفير البدائل، خاصة الدول النامية، للغازات الأكثر ضرراً لطبقة الأوزون والملوثة لطبقة الغلاف الهوائي.
جمعية حماية المستهلك أحد الموقعين على المذكرة، أكدت على لسان أمينها العام د. ياسر ميرغني عدم التوقيع على الاتفاقية التي كان مقرراً لها أكتوبر الماضي، وصب ميرغني في حديثه مع (اليوم التالي) جام غضبه على وزير المعادن السابق كمال عبداللطيف لعدم التوقيع على الاتفاقية، مستغلاً في ذلك الأحداث التي كانت جارية في شهر سبتمبر الماضي، وقال ميرغني إن عدم التوقيع عمل على حرمان السودان من الدعم الممنوح له لاستخدام بدائل غير الزئبق.
ورغم أن الاتفاقية كان مقرراً لها التوقيع في شهر أكتوبر الماضي، إلا أن اليأس لم يدخل قلب منظمات المجتمع المدني. حيث ترى أن بإمكان الدولة اللحاق بركب الاتفاقية نظراً لوجود فترة انتقالية لتوفيق أوضاعه في فترة تصل إلى 3-5 سنوات، ووجود دعم لهذا الانتقال بما يجعلها تجدد ندائها لرتق نسيج السودان البيئي والحضاري والتنموي وفقاً لأسس ونظم التنمية المستدامة التي تأخذ في الاعتبار الجانب البيئي (الطبيعي)، والجانب الاجتماعي، والجانب الاقتصادي مجتمعة، وشددت على أهمية الحفاظ على حقوق الأجيال الحالية والمستقبلية على السواء، وأكدت المذكرة أهمية ألا يكون السودان في جزيرة معزولة عن الحكم السياسي الراشد الذي يأخذ بالمنهجية العلمية وتوافق وبناء الآراء السياسية والعلمية والشعبية، وكشفت المذكرة عن توقعات بزيادة أسعار الزئبق العالمية بعد التوقيع على اتفاقية الشراكة الاقتصادية لدول الاتحاد الأوروبي ما يجعل صغار المنتجين للذهب يعانون في سبيل الحصول على السلعة كمصدر دخل لسد حاجة الفقر لهم ولذويهم، بالإضافة إلى وقف شراء المنتج من الذهب الخام لعدم النقاوة وإحاطته ووصفه بالملوث، وتدني أسعاره مقارنة بأسعار الذهب الأخرى، كما حدث للماس في بعض الدول وكساد أسعاره، وذلك لعدم استخدام البدائل المستحدثة. المنظمات طالبت رئيس الجمهورية ومتخذي القرار التفكير في الآثار الناجمة عن عدم توقيع الاتفاقية واللحاق بركبها لمصلحة شعب السودان واستقراره اقتصادياً، في ظل الاعتماد على الذهب كمورد رئيسي لاقتصاد البلاد.
صحيفة اليوم التالي
أ.ع