تحقيقات وتقارير

منتدى إشباع حاجات الانسان الأساسية

السياسات الاقتصادية أو الإجراءات الإقتصادية ذات أثر عظيم على حياتنا الاجتماعية بالسودان ، وأكثر من تأثروا بها الشرائح الضعيفة ، فهل يتحرك الجانب الاجتماعي ويفعل آلياته أم يظل مفعولاً به في ظل تحدي تحقيق التنمية لدى جميع دول العالم والسعي لاستغلال الموارد والامكانات المادية والبشرية للنهوض الاجتماعي والتقدم الاقتصادي ، وبتطبيق مناهج تنموية مختلفة وفكر رأسمالي واشتراكي بالدول الاسلامية، لم تحدث التنمية المنشودة بل فشلت لعدم ملائمة الطبيعة والبيئة ، قابل ذلك نهضة فكرية إسلامية لتأكيد النهوض الاقتصادي والتنموي وفق المنهج الاسلامي الذي يرتكز على أن غاية التنمية ووسيلتها الإنسان .
وقد أقام منتدى الحوار الاجتماعي الاقتصادي ضمن منتداه الدوري منتدى: إشباع حاجات الانسان الأساسية بين الفكر الاقتصادي الاسلامي والمذاهب الفكرية الأخرى . قدم فيها الدكتور عبدالقادر أحمد سعد خبير في الاقتصاد والتمويل رؤيته في الموضوع عبر ورقة قارنت بين المذاهب الفكرية في الاقتصاد ، وعرفت الورقة التنمية الاقتصادية بأنها “زيادة متوسط الدخل الحقيقي للفرد” مفسرة دخل الفرد بمقدار مايحصل عليه الفرد من سلع وخدمات خلال فترة زمنية معينة ( سنة ) ، وأكدت الورقة على وجود علاقة قوية جدا بين استراتيجية الانتاج في الإسلام وبين مستويات إشباع الحاجات لدى أفراد المجتمع وذلك في إطار نظرية الأولويات الاسلامية وفق مقاصد الشريعة الاسلامية في إطار ما يعرف بسلم التفضيل الجماعي .
كما أكد دكتور عبدالقادر على أن الحاجات خاصة الأساسية أدوات فعالة ورئيسية للتوزيع وإعادته بين أفراد المجتمع ، معتبراً أن التوزيع في الإسلام يتكون من العمل والحاجة، والعمل أداة رئيسية للتوزيع بوصفه أساس للملكية ، والحاجة أيضاً اداة رئيسية للتوزيع بوصفها تكفل وتضمن إشباع حاجات المجتمع .
وذهب إلى أن الاسلام لم يتماشى مع مبادئ النظرية الاقتصادية المعروفة فحسب بل تعداها ، باعتباره نمط جديد للتوزيع سابق للعملية الانتاجية ولابد منه باعتباره حق معلوم للسائل والمحروم، موضحاً أن بعض الفئات الغير قادرة على الانتاج أو تملك وسائل الانتاج أو لا تستطيع مزاولة العملية الانتاجية كالعجزة والأطفال وغيرهم .
وأشار لضرورة عدم خروج الدولة من ميادين الانتاج وتركها لرغبات المنتجين الأفراد الذين غالبا ما يتخلون عن الوظيفة الأساسية للإنتاج حيث يصبح التبادل مقصوراً بين الانتاج والإدخار لا بين الإنتاج والاستهلاك مما يخل بالتوازن بين كمية العرض والطلب ويصبح الانتاج هو الاكتناز والتراكم الرأسمالي وليس “إشباع الحاجات” مما يؤثر أيضاً على دالة الاستهلاك الكلي ويقود بالتالي لانخفاض الطلب الفعال الذي يؤدي بدوره لانخفاض المستوى المعيشي للأفراد بسبب انخفاض دخولهم فيعجزون عن إكمال رغباتهم لنقص القدرة على الشراء برغم أن المعروض هو ما صنعته أيديهم، لأنه يجردهم من أرباح “”
وذكر أن النقد لايمثل تنمية حقيقية إذا أن غالبا ما تتجه حركة النقود نحو المضاربات والنشاطات الطفيلية والصورية فتزداد معدلات التضخم بارتفاع مستويات الأسعار وهو شكل يعيشه الاقتصاد الدولي حالياً وتنتقل آثاره للبلدان المتخلفة أو النامية الشئ الذي يؤدي لإضعاف القدرات اللازمة لإشباع الحاجات المتنوعة والمشروعة للفرد والجماعة . وتحدث الخبير عبدالقادر عن ضرورة محاربة الفقر ومهاجمته في معاقله الأساسية ، مؤكداً على قيام البلدان النامية بتحديد المستويات الدنيا من الاستهلاك والتي يتم الوصول لها خلال فترة معلومة معينة قدرها من 5-10 ، وأن يتم تخطيط الانتاج والاستهلاك على أساس توفير (سلة) دنيا من الاحتياجات الأساسية التي يجب توفيرها للمستهلك العادي من أجل القضاء على أكثر مظاهر الفقر سوءاً كالحدود الدنيا للغذاء والكساء والسكن والتعليم والصحة ، إضافة لتوليد الحرص على زيادة معدلات الانتاج في وقت واحد مع توليد وزيادة الحرص على ضمان توزيع أفضل له عند تعريف التنمية ، وأن يتم تخطيط قوة العمل (المرد البشري) لا أن يتم التعامل معها باعتبارها هدفاً ثانوياً بل أن تعد أحد معطيات عملية التنمية .
وقال أنه من الممكن أن يحل عنصر العمل محل رأس المال عبر رفع مهارة العمل وتنظيمه (كما حدث في التجارب الأسيوية ) ، وقد ذكر في ورقته أن تحديد طبيعة الأزمة سوف تقود لبروز استراتيجية جديدة للتنمية يمكن أن أطلق عليها اصطلاحاً (استراتيجية الهجوم المباشر على الفقر) .
وأشار الدكتور أن مسئولية إشباع الحاجات عند مستوياتها المختلفة إنما تكون من مسئولية الأفراد عبر آلية العرض والطلب أو مايعرف بجهاز السوق في ظل الحرية الكاملة للنشاط الاقتصادي الرأسمالي وتكون في يد ما يعرف بآلية التخطيط المركزي في ظل النظام الاشتراكي، بينما تكون تلك المسئولية موزعة بين الفرد والدولة في ظل الفكر الاقتصادي الاسلامي ،
وقال أن النظرية الغربية ذهبت في نجاح عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية على مبدأ سيادة المستهلك حيث تدور كل فعاليات النشاط الاقتصادي من عمليات انتاجية وتبادلية ومن حركة لتوجيه الموارد استجابة لرغبات (طلبات) المستهلكين . إضافة لكفاءة استخدام الموارد الاقتصادية على الأساس السابق باعتبار أن قوى السوق كفيلة بتوزيع الموارد المتاحة على سبل وطرائق استخدامها في مجالات الانتاج والمشروعات المنتجة للسلع والخدمات داخل الاقتصاد وقطاعاته ، وحساسية جهاز الأسعار ومبدأ التشغيل الكامل لتحقيق التوازن والتشغيل الكامل للاقتصاد عبر حسابات التكلفة والعائد لمختلف الأنشطة الاقتصادية والتوازن بين العرض والطلب ، وأضاف المنافسة الكاملة التي يحقق التوازن التلقائي بين العرض والطلب وتؤدي للتشغيل الكامل للموارد الاقتصادية
وأشار إلى أن أول بادرة تخطيطية جاءت في سورة يوسف وهي عملية الادخار للحصاد في سنبله لوقت الحاجة بوضع خطة لمجابهة سنوات القحط المتوقعة في ما يعرف بالمخزون الاستراتيجي ، وطرح عدد من التساؤلات منها أي الطريقين تسلك البلدان النامية التخطيط أم مكانيكية السوق ؟ ، وهل تحقق الاشباع وتوفر العدالة الاجتماعية ، وهل الدواء والغذاء منذ أن خرج المستعمر في ازدياد أن نقصان ، وهل حساب نصيب الفرد يتم من الدخل القومي أم من حساب الفقر الحقيقي ؟ وقال أن الاسلام له تننظيم خاص بالملكية (وهي مقيده فيه) وهي اشبه بالوكالة في إطار نظرية الاستخلاف في المال وهذه لا يعرفها الفكر الغربي أو الماركسي ، وأن مبادئ الاستخلاف مقيده بمبادئ تطبيق المقاصد الكلية (المصالح الكلية) .
وذهب الأستاذ محمد حديد السراج إلى أن مشكلة تزايد أعباء المعيشة مع وجود الموارد تكمن في عمليتي دعم الانتاج وتوزيع المنتجات ، وذكر أن في الاسلام يكون التعامل مع مبادئ وشروط وقواعد وتجارب وليس نظريات ، مبيناً أنه ربما التطبيقات الحالية لا تفي بكلياته ، وأكدّ على أن الانتاج يأتي في الاسلام في إطار الحاجات المعتبرة شرعاً ، وأنّ الحاجة هي الأداة الرئيسية للتوزيع وليس العمل في الإسلام .
وقال أن النقد وسيلة تبادل سلع وليس سلعة في حد ذاته لكن ما نراه اليوم هو أن النقد نفسه أصبح سلعة وتحصل فيه مضاربات ، بينما التنمية في الاسلام لاتقوم على سوق الأوراق المالية وأوضح أن قيادات اقتصادية شنت عليه هجوم ثم عادت وتزعمت سوقه لاحقاً !!
وأشار إلى ارتباط الأمن بالجوع (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) الآية وهي مسألة مهمة نلمسها الآن في ولايات السودان ، كما أكدّ على أن الكثير من الاقتصادين يرون أن الاقتصاد الاسلامي هو الحل لمشاكل الاقتصاد العالمية منهم الخبيرة لوريتا نابليوني التي تحدثت في كتابها عن الاقتصاد العالمي الخفي وعن الاقتصاد الغربي وأكدت أن الحل يكمن في الاسلام وذهبت إلى أن الاقتصاد الرأسمالي الغربي تسبب في انفجار أسواق الدعارة وتجارة الرقيقي الأبيض .
وقد عرّف الأستاذ عبدالفتاح، الكاتب في المجلات الاقتصادية التنمية بأنها عملية كفاية في الانتاج مصحوب بعدالة في التوزيع ، وليست عمليه اقتصادية بحته ، بل هي انسانية تهدف لتنمية الانسان في مجالين روحي ومادي، وأن الاقتصاديين ذهبوا للمادي .
وأوضح الأستاذ عمر عبدالقادر أن الإسلام قدم النموذج الأفضل لحياة الإنسان وينقصنا التطبيق العملي مبيناً أن الحاجات الأساسية الموجودة في الإسلام أصبحت الآن هي مقومات الأمن الإنساني كالصحة والمسكن وغيرها مما أضيفت حديثاً ، وأكدّ أن الدور الاجتماعي يجب أن يسبق السياسات الاقتصادية ويوجهها وفق القيم والأخلاق ورؤى الإسلام لأن هذا ما تحتاجه البشرية الآن بعد أن محق الله الربا القائم عليه الاقتصاد الغربي .

احمد عبد العزيز