زيادة ولايات دارفور :ضرورة سياسية أمنية أم تنموية خدمية ؟
بعد حروب مريرة ومساجلات سياسية طاحنة توصل السودانيون إلى أن اللامركزية ( الفدرالية ) هى افضل نظام لحكم السودان القارة ،ولكن هذا المطلب دخل سوق المزايدات وتحت شعار وفكرة الفدرالية نجد الأحزاب والمجموعات المختلفة يخوضون معاركاً شرسة ليس فى سبيل ومسار تنفيذها وتطبيقها بالصورة الامثل ولكن لتقاطع مصالحها واجندتها السياسية ،ومن المفارقات ان نجد جلاوذة مهاجمى ومنتقدى وبشدة مهندس تقسيم الولايات وزير الحكم الاتحادى الاسبق الدكتور على الحاج حينما اطلق مقولته المشهورة (مزيد من توليد الولايات) نجدهم اليوم على رأس المؤيدين والمطالبين لتوليد مزيد من الولايات وتتجلى وتتباين مواقفهم ورؤاهم حاليا فى دارفور هل يكون اقليما واحدا ام يقسم الى مزيد من الولايات ؟
قصة الإقليم الواحد
قصة ان يكون إقليم دارفور الذى يتمتع بحكم ذاتى حتى عام 1916 من القرن الماضى اقليما واحداً او تقسيمه الى عدة ولايات بدأت منذ العهد المايوى الذى اول من بدأ تطبيق نظام الحكم الاقليمى الذى كان يتمتع به الجنوب بناءا على اتفاقية اديس ابابا مع انانيا 1 عام 1972 فى الشمال عام 1980 بتقسيمه الى اقاليم ،فقد حاول الرئيس الاسبق جعفر نميرى ضم دارفور الى كردفان الامر الذى ادى الى اندلاع ما عرف بانتفاضة الفاشر التى بموجبه تراجع النميرى عن قراره. وفى عهد الانقاذ انقلب الموقف حيث تم تقسيم دارفور الى ثلاث ولايات بناء على المرسوم الدستورى الرابع عشر عام 1994 الذى بموجبه تم تقسيم السودان الى 26 ولاية ،وكانت إستمارات الاستطلاع التى أعدت لاخذ الرأى اكدت رفض أهل دارفور تقسيم الإقليم لثلاث ولايات وانفجر الموقف مرة اخرى عام 2006 ولكن هذه المرة على طاولة المفاوضات بين الحكومة التى قاتلت من اجل ان تبقى دارفور على حاله ثلاث ولايات والحركات المسلحة التى طالبت ان يكون دارفوراقليما واحدا بعدة ولايات كانت دوافع ومبررات رفض الحكومة الاقليم الواحد بانه مقدمة للمطالبة بتقريرالمصير وجزء من مؤامرة تستهدف البلاد من خلال دارفور، وخوفا من سيطرة مجموعات معينة على شئون الاقليم على حساب القبائل الحليفة لها ،اما دوافع ومبررات الحركات المطالبة بالاقليم الواحد هى من اجل تنمية الاقليم والنهوض بسكانه اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ورفع سيطرة ووصاية المركز على سكان وموارد الاقليم، هذا السجال انتهى وفق اتفاق ابوجا بترك مسألة ان يكون دارفور اقليما واحدا او ثلاث ولايات الى اهل دارفور انفسهم عبر الاستفتاء ،الامر الذى رفضه غير الموقعين وبالتالى ستطرح هذه المسألة مثارالجدل واحد السقوفات المهمة للحركات مجددا على طاولة المفاوضات المقبلة
مواجهات ومواقف
مسألة الإقليم الواحد او عدة ولايات كانت وجبة دسمة وحاضرة على كل موائد الحوار والمنتديات التى عقدت عقب اتفاق ابوجا آخرها ملتقى أهل السودان الذي إنتهى الى أن يضمن في توصياته قَبُول ما يتفق عليه أهل دارفور في أمر الإقليم، أو الولايات المتعددة من خلال الحوار، أو التفاوض، أو من خلال الاستفتاء، على أن تلتزم كافة الأطراف بما يصلون إليه، لا يكاد هناك خلاف يذكر حول زيادة الولايات التى اثارها البعض اثناء تقسيم الاقليم عام 94 برفعها الى خمس ولايات بدلا من ثلاث عواصمها (الفاشر، نيالا، الجنينة، زالنجى، الضعين ) وعندما اثارتها الحركات ايضا فى ابوجا بان تكون ست ولايات ولكن تحت الاقليم الواحد عواصمها (الفاشر، نيالا، الجنينه، زالنجى، الضعين ، العطرون ) ولكن الخلاف الحقيقى فى مسألة الاقليم الواحد الذى حدث فيه تطور لافت اخيرا فى موقف بعض مكونات دارفور التى انتقلت من خانة الرفض الى خانة التأييد وبالتحديد المجموعات العربية التى ظهرت مواقفها وبصورة جلية فى ملتفى اهل السودان الذى احدث موجة من الخلافات بين أعضاء المؤتمر الوطنى، فقد اعلن وجاهر غالبية النخب من منتسبى المؤتمر الوطنى من ابناء دارفور أثناء إنعقاد أعمال لجان مبادرة أهل السودان بتأييدهم للاقليم الواحد وقد اشترط بعضهم ان تكون المشاركة فى السلطة فى حالة التوصل الى اتفاق وبالتحديد فى مؤسسة الرئاسة والاقليم ليس حكرا للحركات ولكن جاء الرد سريعا وعنيفا فى هذا الاتجاه من مساعد رئيس الجمهورية الدكتور نافع على نافع في لقاء له بنيالا حيث قال «إن الإقليم الواحد ينتزع سلطات الولاة ويسلب سلطات رجال الأمن والمجالس التشريعية، وإضعاف لسلطة المركز ولا فائدة لأهل دارفور في الإقليم الواحد لأنه لايوجد فيه توظيف أمثل للموارد البشرية والمادية فهو سلاح لتمزيق السودان وكابوس وحكاية مقدسة ظل يتحدث عنها قادة الحركات « ودمغ نافع الاحزاب التى غالبيتها تساند ذلك المطلب بانها حملة اجندة الفصائل المسلحة ويختلف الكثيرون من السياسيين والاداريين فيما ذهب اليه نافع باعتبار ان دارفور فى الاصل كان اقليما واحدا وان المطلب مشروع لاهل دارفور ولاغبارعليه ما دام يؤدى الى ابرام اتفاق سلام مشيرين الى ان الحكومة قبلت بجيشين فى الجنوب والشمال من اجل وقف الحرب فلماذا لا تقبل بالاقليم من اجل حقن الدماء؟ ويعتقد وزير التجارة الاسبق مكى على بلايل ان رفض الاقليم الواحد نابع من تخوف المؤتمر الوطنى من سيطرة المجموعات التى تعتبرها ضدها على شئون الاقليم على حساب القبائل الحليفة لها بحساب الاغلبية، وتساءل لماذا الرفض ما دام الاسرة الدولية تتعامل مع القضية فى كل المحافل كاقليم واحد وليست كولايات. وحول تخوف المؤتمر الوطنى من سيطرة الحركات او بالاحرى قبائل معينة على شئون الاقليم يرى بلايل بان ذلك وهم حكومى لان ذلك يتم مواجهته ومعالجته عبراتخاذ اجراءات ووضع تدابير تشريعية وسياسية وضرب مثلا بما حدث لحاكم دارفور ابراهيم دريج فى العهد المايوى وللدكتور التيجانى سيسى فى عهد الديمقراطية الثالثة من رفع شكاوى تتعلق بهيمنة الفور على شئون الاقليم مشيرا الى مذكرة التجمع العربى الشهيرة عام 87
زيادة الولايات
مقترح زيادة الولايات التى خرج به ملتقى اهل السودان اعتبره البعض خطوة إستباقيه تهدف لقطع الطريق امام الحركات المسلحه في المفاوضات المقبلة وحتى لاتكون مزايدة سياسيه اثناء التفاوض، فيما أرجعها البعض الى أنها محاصصه إستباقية للتسوية القادمه وإرضاء لقبائل معينة وكان معتمد محلية بحر العرب بولاية جنوب دارفورعبد الله دقيس قد طالب بقيام ولاية جديدة باسم بحر العرب عاصمتها الضعين والدمنقاوي فضل سيسي بولاية جبل مرة عاصمتها زالنجى وتعهد الرئيس البشير فى زيارته اخيراالى سبدو بولاية جنوب دارفور بقيام ولايات جديدة من اجل تقوية الادارة الاهلية وتعزيز دورها فى حفظ الامن وتوفير الخدمات . ويتخوف مهتمون أن يؤدي قرار زيادة الولايات الى تعميق الأزمة القائمة في الإقليم، خاصة إذا أدت الى خلق جزر إثنية قبليه منفصلة عن بعضها، يسود بينها التنافس الجهوى أكثر منه التنموي، لأن المجتمع الدارفوري مثله مثل المجتمعات المتعايشة في مساحة جغرافية معينة، اعتادت قبائله ان تكون لها اراضيها التي نمت وترعرعت فيها، وترفض بان يتم اتباعها او اخضاعها لسلطات محلية جديدة تجعلها تفقد شيئا من خصوصيتها التي ورثتها، وبالتالى يرون أن مجاراة الاستجابة لتكريس هذا الواقع سيقلل من فرص الاندماج الاجتماعى في مجتمع يحتاج اكثر من غيره له، بعد افرازات الحرب التى امتدت لخمسة أعوام، ومن الوجه الآخر قد يؤدي مثل هذا التقسيم الى هندسة الدوائر الإنتخابيه على الأسس القبلية والإثنيه اكثر من كونه حراكاً سياسياً تنافسياً لطبيعة التركيبة الحزبيه وإعتمادها على القبيلة. وقال الدكتوريوسف بخيت خبير فى الشأن الاقليمى لـ»الصحافه» ان زيادة الولايات في دارفور غير مفيد لقلة الإمكانيات وضعف الموارد بل أن البعض يدعو لجعلها ولايتين فقط «شمال وجنوب»، كما ان الظروف الحالية لا تساعد على ذلك لان المشكلة لم تحل والوضع متوتر، وأن مثل هذه الخيارات يجب أن تأتى في إطار الحل الشامل، وقال الآن يجب أن تكرس الجهود لتقوية الولايات الحاليه لتنهض بمسئولياتها في التنمية والسلام، لأن زيادة عددها يضيف أعباء ماليه أولى بها حل قضايا أهم مثل عودة النازحين ومتطلباتها، واضاف أن زيادة الولايات دائماً تأتى بدعوى تقصير الظل الإدارى ولكن هذا يأتى عندما تكون هناك إمكانيات، كما ان زيادة الولايات لا تساعد في الإندماج الإجتماعى، لأنه سيتم على أساس الترضيات القبلية بالتالى ستفتح الباب لكل قبيلة أن تطالب بمحلية أو ولاية.
ويتجه آخرون مهتمون فى الشأن الاقليمى أنه ما دام الإتجاه يمضي نحو التفاوض بين أطراف النزاع في دارفور، وموضوع الإقليم واحد من أجندة التفاوض، واهل دارفور لم يتفقوا على الإقليم الواحد بعد، ولأن الإقليم نفسه ربما يخضع لتفاوض وإذا لم تتفق الاطراف سيخضع الإقليم للإستفتاء، لا يوجد هناك ما يبرر التفكير في زيادة أو تقليل عدد الولايات، لأنه ليس له أى جدوى سياسيه طالما الإقليم نفسه خاضعاً لتفاوض بين الأطراف، ويرون بانه اذا كان عمل لجنة فؤاد عيد فنى ومساعد للحكومة في تقديم المشورة تكون مقبوله بإعتبار أنها ستقدم المقترح لجهة واحده وهذا مبدأ سليم، واشاروا الى الى ان الأولويه يجب أن تكون للحوار «الدارفورى الدارفور» ومن ثم يمكن التفكير في شكل الولايات وعددها
تخوف وانتقادات
ومن الانتقادات التى تصوب للحكم الفدرالى رغم الاقراربانه افضل نظام لادارة البلاد وتوزيع الثروة والسلطة وتقديم الخدمات وعلى وجه الخصوص فى مسألة زيادة الولايات التى يرى البعض بانها تأتى تحت ضغوط اثنية وليس علمية وموضوعية بهدف الاستحواذ على السلطة والثروة وخلق مزيد من الوظائف والامتيازات، الامر الذى قد يقود الولايات الاخرى خاصة كردفان المجاورة المطالبة بولايات جديدة ويتخوف آخرون بانها قد يؤدى الى الاضطرابات ومن ثم تفتيت البلاد كما يقول الاكاديمى والمحلل السياسى الدكتور صفوت فانوس وتساءل البعض فى حالة زيادة الولايات وفى ظل تدهور اسعار النفط التى تشكل اكثر من 70% من الايرادات القومية هل تستطيع خزينة الدولة الايفاء بتكاليف والالتزامات المالية والادارية لحكومات وبرلمانات الولايات الجديدة .ويقول الادارى محمد الفضل رغم ايماننا بان من غايات واهداف النظام الفدرالى وزيادة الولايات هى تقصير الظل الادارى وتنزيل السلطات والصلاحيات الى ادنى المستويات وتقسيم الثروة ولكن السؤال ماهى الفائدة من ذلك في ظل غياب الخدمات جراء ذهاب المال للمسئولين وليس على الخدمات والمواطنين.
وتنفيذا لتوصيات ملتقى اهل السودان وجه الرئيس البشير بتكوين لجنة برئاسة فؤاد عيد وعضوية ثلاثين من الأكاديميين والسياسيين ورجالات الإدارة الأهلية.بقرار جمهوري رقم(23) لسنة 2009 لدراسة مقترح زيادة عدد الولايات بدارفور والتى قامت بزيارات ميدانية لولايات دارفور الثلاث واللجنة موجودة حاليا هناك للإطلاع على المستندات والوثائق والتقارير والتوصيات فى هذا الشأن وإقامة جلسات استماع لبعض الشخصيات ووضع استبيان لاستطلاع آراء المسئولين ورجالات الإدارة الأهلية وزعامات القبائل بدارفور مع رصد الموارد الطبيعية المختلفة من حيوانية ونباتية ومراعي وتحديد الخدمات الاساسية في التعليم ، الصحة ، المياه ، الطرق والموارد المالية والبشرية.ولدراسة الأوضاع الديمغرافية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي تستوجب اعادة النظر في الصورة التي قام عليها التقسيم الإداري الحالي لولايات دارفور الثلاث، علاوة على دراسة ترتيبات الأطر الطبيعية والسكانية والبيئية والسياسية التي يمكن تجميعها في وحدات إدارية أكبر. ونادى القرار بأن تقوم اللجنة بقيام ولاية أو ولايات جديدة إضافية تتوافر فيها المقومات السكانية والإقتصادية والسياسية، تضمن لها الاستمرارية والكفاءة
ابوزيد صبي كلو :الصحافة