تحقيقات وتقارير

غرايشن…والاســتراتيجية الأمريكية الجديدة

رحلة جديدة في مسيرة العلاقات السودانية الأمريكية تنطلق اليوم، عندما تحط بمطار الخرطوم طائرة المبعوث الأمريكي الخاص للسودان اسكود غرايشن، في أول رحلة له للخرطوم منذ تعيينه قبل اكثر من اسبوعين من قبل الرئيس الامريكي باراك أوباما لإستكمال جهود تحسين العلاقات بين البلدين وتسوية الملفات العالقه بينهما، وهى جهود ستحفها كثير من الصعوبات بعد تداعيات المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس البشير وتأثيرها على مجرى العلاقات بين البلدين.
رحلة ضابط الطيران السابق القس غرايشن تأتى اليوم في ظل تصعيد سودانى اتجاه المجتمع الدولى خاصة الولايات المتحدة الامريكيه بعد صدور مذكرة توقيف بحق السيد رئيس الجمهورية عمر البشير من قضاة المحكمة الجنائية الدولية في الرابع من مارس المنصرم، حيث تتهم الحكومة السودانية الغرب بتأجيج الصراع المسلح واطالة امده في دارفور، لتزداد العوة بين الطرفين اتساعا بعد طرد الخرطوم لـ«13» منظمة غوث دولية من دارفور في اعقاب صدور مذكرة توقيف البشير من لاهاى. خطوة اثارة حفيظة المجتمع الغربي اتجاه الخرطوم التى اتهمتها بممارسة مزيد من الابادة الجماعية في دارفور، الامر الذي تنفيه الحكومة بالارقام حول حقيقه ما تقدمه هذه المنظمات لمواطنى دارفور، كان آخره ما أشار اليه السيد رئيس الجمهورية أمس في لقائه بأبناء الجالية السودانية بالدوحة، الذي أكد من خلاله استحالة ارجاع المنظمات المطروده الذي يطالب به المجتمع الدولى، بل مضي الى اتهام الولايات المتحدة الأمريكية بتأجيج الصراع واطالت امده بدارفور بعد التعهدات التى قطعها الرئيس الامريكي السابق جورج بوش بعد توقيع اتفاقية ابوجا التى حث الحركات المسلحه لتوقيعها قبل ان ينقلب عليها مجدداً. وقال البشير ان الرئيس الامريكي جورج بوش اتصل به شخصيا، في اعقاب توقيع اتفاق ابوجا وتعهد بتضييق الخناق على رافضي الاتفاق، لكنه نكص عن عهده بعد شهر واحد، وبدأ الغرب في تشجيع غير الموقعين.
وبعيداً عن ملف دارفور وتداعياته على علاقات البلدين على المستوى الدولي، فإن ملف العلاقات الثنائية وتعقيداته المتداخله تشكل كذلك محوراً رئيسياً لمهمة المبعوث الأمريكي الجديد غرايشن، خاصة وان الحوار الثنائي توقف منذ آخر جولة شهدتها الخرطوم بين الطرفين قبل عدة أشهر في يونيو 2008م بالنادى الدبلوماسى بالخرطوم حيث رأس الجانب السودانى د. نافع على نافع مساعد رئيس الجمهورية فيما رأس الجانب الأمريكى مبعوث الرئيس الأمريكى السابق ريتشارد وليامسون. وتمحورت جلسات الحوار تلك حول الأوضاع الانسانية ومسار العملية الهجين، اضافة الى المسائل المتصله بالعلاقات الثنائية بشأن القضايا العالقه، وجاء ذلك الحوار بين الجانبين كمواصلة للمناقشات التى دارت من قبل فى واشنطن والخرطوم وروما حول موضوعات دارفور وتنفيذ اتفاقية السلام الشامل والعلاقات السودانية الأمــريكية.
ليستبق الرئيس الامريكي باراك أوباما مبعوثه غرايشن للخرطوم اليوم، باعلان إستراتيجيته بشأن التعامل مع السودان في لقائه اول امس بمبعوثه، وتتركز حول تنشيط اتفاقية السلام الشامل، والبحث عن آليه لإجراء مفاوضات بين الحكومة والحركات المسلحه، وعودة المنظمات الانسانية لدارفور، وقال باراك أوباما ان مهمة مبعوثه سكوت غرايشن ستكون صعبة، وقال ان تطبيق هذه الاستراتيجيه سيكون عملا شاقا ويستغرق وقتا طويلا، أنه لا يتوقع حلا بين عشية وضحاها لمشاكل مزمنه، وقال أوباما ان مهمة مبعوثه غريشن للخرطوم تكمن في معرفة امكانية تنشيط اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب والتأكد من تطبيقها بطريقة فعاله، وفي الوقت نفسه البحث عن آليه لإجراء محادثات سلام بين الحكومة والحركات المسحلة في دارفور ئؤدى لاستتباب الامن في الاقليم، وقال إن غرايشن الذي سيزور الخرطوم اليوم «سينقل للمسؤولين السودانيين أن لدينا أزمة عاجلة نتيجة طرد منظمات غير حكومية». وقد اعتبرت الخرطوم تصريحات أوباما موقفا متعجلاً ورسالة الى مجموعات ضغط مهتمة بالاقليم طالبته بممارسة ضغط على الخرطوم بعد طرد «13» منظمة من دارفور.
وكانت الخرطوم قد قابلت تعيين اسكودا غرايشن بترحيب حذر داعية الى أن يكون حاملا لرؤى وافكار جديدة في الوصول لحلول مستدامة لا رؤىً لتعقيد الملفات العالقة، لأن السودان يتطلع الى علاقات جيدة قائمة على الاحترام بين البلدين، وقال وزير الدولة بالخارجية السماني الوسيلة في تصريحات صحافيه حول تعيين غرايشن «أن الضغوط لن تؤدي ابدا الى حلول مشيرا الى الفشل الذي لازم الادارة الامريكية السابقة من خلال اتباعها لهذا المنهج». وبحسب وزارة الخارجية فإن غرايشن سيجري مباحثات مع عدد من المسؤولين بالدوله منهم نائب الرئيس علي عثمان محمد طه ومساعد الرئيس نافع علي نافع ومستشار الرئيس مصطفى عثمان إسماعيل، ووكيل وزارة الخارجية مطرف صديق، تتناول العلاقات الثنائية بين الخرطوم وواشنطن وسبل ترقيتها عبر الحوار الجاد والمثمر، كما دعت الخارجية المبعوث الامريكي للانخراط في حوار جاد لبحث القضايا العالقة بغية الوصول فيها إلى حلول جذرية بروح بناءة.
وكان القائم بالاعمال الامريكي بالخرطوم البرتو فيرنانديز قد قال بعد اجتماعه بمسئولى وزارة الخارجية حول زيارة غرايشن قبل يومين أن «الادارة الاميركية أبدت مرونة تجاه قضية طرد المنظمات الاجنبية والوضع الانساني في دارفور، وعلى الحكومة مقابلة ذلك بمرونة اكبر، وقال إن الحوار بين الادارة الاميركية والحكومة السودانية مستمر، وان ادارته تبحث مع الخرطوم عن الطرق المناسبة لدراسة المشاكل والعقبات والتحديات المشتركة لتقوية الحوار من اجل تسوية القضايا العالقة التى تعطل تطبيع العلاقات بين البلدين، وان الفترة المقبلة تحتاج الى «ابداع دبلوماسي» وانه يناقش مع المسؤولين ايجاد بدائل و «خطوات براغماتية فعالة». وكانت الولايات المتحدة قد علقت مباحثات تطبيع العلاقات مع السودان في آخر جولات التباحث في يونيو الماضي، بسبب استمرار النزاع في منطقة ابيي، حسب ما اعلن وقتها مسؤولون اميركيون وسودانيون قبل احالة النزاع حول أبيي لتحكيم الدولى بلاهاى. وقال المبعوث الأميركي الخاص للسودان، ريتشارد وليامسون وقتها «في هذه المرحلة لا تبدي القيادة لدى الطرفين «المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية» اهتماما بالتوصل الى سلام حقيقي، ولن اكون جزءا من سلام على الورق، لن يسهم حقيقة في تغيير الوضع بالنسبة للشعب السودانى» واضاف «مباحثاتنا معلقة في الوقت الحالي». ومن جهته اكد نافع علي نافع مستشار الرئيس للصحافيين عقب تعليق المباحثات ان الولايات المتحدة علقت مباحثاتها الثنائية مع السودان، وقال ان المحادثات تطرقت لقضايا الساعة وعلى رأسها قضية أبيي، حيث تم التشاور حول كيفية تفعيل السلام وتحقيق الاستقرار، حتى لا تكون عقبة في سبيل انفاذ الاتفاقية والاستقرار في المنطقة، واشار الى ان ما تم الاتفاق عليه نفذ بصورة طيبة، واعلن ان كثيرا من القضايا التي تم بحثها خلال جلسات الحوار، ثم التوصل لاتفاق معقول بشأنها، واعرب عن سعادة الجانب السوداني بذلك وقال «لم يتبقَ إلا القليل».
خالد البلوله إزيرق :الصحافة