الطاهر ساتي

ملح الأرض ..!!


/

‫ملح الأرض ..!!
** علي الدويد، الكاريكاتيرسيت الرائع، من ذوي الخيال الخصب والفكرة المدهشة..شاهد ذات مساء مسؤؤلاً يعد الناس والبلد – عبر التلفاز – بمكافحة الفقر..لم يعجبه حديث المسؤول، ولم يصدق وعده ، فرسمه جالساً على مكتبه الأنيق ومتحدثاً للمذيع بالوعد القائل : ( ونحسب أننا بنهاية هذا العام سوف نقضي على الفقر أو الفقراء)، أو هكذا أنقذ الدويد ذاك المسؤول من قيود الوعد ..أي، إن لم ينجح في القضاء على الفقر خلال العام، فالقضاء على الفقراء – خلال عام أو أسبوع – ليس بحاجة إلى عبقرية في أزمنة الحرب وإقتصاد المنح والقروض والفساد ..!!

** وقبل ثلاثة أسابيع تقريباً، عندما وعد الجهاز التنفيذي لحماية الأراضي الحكومية بإعلان الخرطوم خالية من السكن الشعبي خلال عام، تساءلت متوجساً : هل يعني الجهاز القضاء على المساكن أم السكان ؟.. فالقضاء على سكان المساكن العشوائية خلال عام أمر مقدور عليه بالمزيد من الحرب والفقر ورفع سعر الدولار والدعم عن السلع، وكذلك بتجفيف المشافي من الكوادر والأجهزة والأدوية، أي السياسة الحالية خير وسيلة للقضاء على سكان المساكن العشوائية و( المخططة أيضاً).. ولكن القضاء على المساكن العشوائية – في حد ذاتها – خلال عام أو مائة عام، بحاجة إلى عبقرية أندر من لبن الطير في عقول ولاة الأمر ..!!

** وتخطئ الحكومة – مركزية كانت أو ولائية – لو أوكلت مهمة القضاء على السكن العشوائي لهذا الجهاز فقط..مهمة الجهاز هي إزالة المساكن العشوائية بقوة الشرطة والبلدوزر، وهذا النوع من الإزالة ليس بقضاء على السكن العشوائي..نعم، هدم المساكن على سكانها – لحد التشريد أو إلتحاف السماء وإفتراش الأرض – ليس حلاً، بل هذا الهدم قضية كبرى وترتقي لحد (الإثم والعدوان)..لو وجد ساكن البيت العشوائي بطرف العاصمة – في قريته النائية أو بولايته الطرفية – سلاماً وعملاً ومدرسة ومستشفى ومياهاً وكهرباء، لما نزح وعرض نفسه إلى مخاطر الفيافي المظلمة والمسماة بأطراف العاصمة، ولما نزح وعرض أسرته إلى مخاطر (الشرطة والبلدوزر).. !!

** المرء لايغادر مسقط رأسه – ليتخذ عشوائي الخرطوم وغيرها من المدائن – مسكناً إلا مكرهاً..وإن كنتم لاتعلمون، فالحرب هي التي ترغمهم على النزوح، وكذلك تجفيف أريافهم من الخدمات الأساسية ثم تجريدها من وسائل الحياة الكريمة..لو كانوا سادة بحزبكم وحكومتكم، لشيدوا قصوراً بجوار قصوركم ..آذان أطفالهم – كما أطفالكم – لاتحتمل دوي الأنتنوف، ولا جلودهم تصد عن أجسادهم وأرواحهم رصاص الجرح والموت، ولذلك نزحوا بهم إلى المسماة بعشوائيات العاصمة بحثاً عن (الملاذ الآمن)..وكذلك جاء الفقر بزوجاتهم وأمهاتهم إلى تلك المسماة بالعشوائيات، ولو كان هذا الفقر رجلاً لقتلوه في سبيل ألا يبارحوا أريافهم ومراتع طفولهم وصباهم، ولكن للأسف ليس برجل، بل ( نهج حاكم)..!!

** المهم، إزالة أسباب توافد الفقراء إلى فيافي الخرطوم المظلمة – المسماة بالأراضي الحكومية المعتدى عليها – هي القضاء الأمثل على ( المساكن العشوائية)، وأية إزالة أخرى – غير إزالة تلك الأسباب – قضاء على ( السكان الفقراء).. وعليه، رفقاً بهم أيها الجهاز التنفيذي وشرطته وبلدوزراته، فالفصل صيف والخريف يقترب وكذلك شهر الصيام، فلا تشردوهم – أكتر من كده – بهدم أكواخهم على رؤوسهم ..وقد يكون تحت الركام مظلوماً من ذوي الأيدي التي تخترق السماء ثم تعود إلى ذات الأرض المسماة بالحكومية بال ..(إستجابة) ..!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]