الجوهر قبل المظهر
[JUSTIFY]
سمعت عشرات المرات أشخاصا يرفضون شراء سجاد/ موكيت بلون فاتح، لأنه لون «وسِّيخ»، يقصدون بذلك ان الوسخ يظهر عليه، في حين ان السجاد ذا الألوان الداكنة لا يكشف عن الأوساخ، وبالتالي يبقى شكله نظيفا في عين الرائي، لأن البقع الناجمة عن انسكاب المشروبات أو آثار الأحذية الملطخة بالطين او نوع من القاذورات لا تظهر عليه .. يعني من يشتري سجادا بلون غامق لسبب لا يتعلق بانسجام لونه مع لون بقية قطع الأثاث، بل لأن عدم تنظيفه جيدا لن «يفرِق» لأن البقع التي عليه ستبقى غير بادية للعيان.. من يفعل ذلك معني فقط بالمظهر الموحي بالنظافة، وليس بالنظافة في حد ذاتها.. وهو كالشخص الذي لا يستحم إلا مرة كل ثلاثة أيام، ويستخدم العطور القوية وملابسه وهندامه في منتهى القيافة.. هذا الشخص وذلك النوع من السجاد ينتميان الى فصيلة من بره هلا هلا ومن جوه يعلم الله .. بالمناسبة أصل هذه العبارة هو «من بره الله الله، ومن جوه يعلم الله»، فنحن نردد اسم الجلالة كتعبير عن الإعجاب بشيء: الله، الله، وشيئا فشيئا صار أول العبارة في اللسان العامي «هلا هلا»، تماما كما نقول «إنشاللا»، ونحن نعني «إن شاء الله»… وهناك الـ«إير فريشنر» ذلك العطر البخاخ او الرذاذ المضغوط الذي يعطي البيوت رائحة المسك او الياسمين أو غيرهما.. يستخدمه الناس وهم يعرفون أنه لن يستأصل مصدر الرائحة الكريهة، بل «يغطي» على تلك الرائحة.. نلجأ الى العطر البخاخ لأنه يريحنا من عناء فتح النوافذ والأبواب لتهوية البيوت وتجديد الهواء الذي بداخلها، وإذا كان المؤكد ان المسافر بالطائرة يستنشق كميات هائلة من الهواء الملوث والفاسد، لأن مكيفات الهواء تقوم بتدوير الهواء الموجود داخل الطائرة ولا تشفط الهواء الخارجي (لأن ذلك يؤدي الى شفط الركاب الى الخارج بسبب عدم توازن ضغط الهواء داخل وخارج الطائرة).. فمن المؤكد ان إبقاء البعض لنوافذ بيوتهم محكمة الإغلاق لنحو ستة أشهر خلال الصيف، يعني ان المقيمين في البيت يستنشقون هواء غير متجدد طوال تلك الأشهر، وهكذا ما ان يصاب أحد أفراد العائلة بمرض كالانفلونرا او نزلة البرد حتى يتهاوى بقية أفراد العائلة مرضى في غضون أيام.. وما هو أدهى من ذلك هو ان مواد تعطير الهواء سواء كانت مضغوطة في علب بخاخة او على هيئة جسم صلب، تحوي مواد كيمائية ضارة مثل الزايلين والبنزين والفورمالديهايد والنفثالين، وكثير منها يحتوي على المسك الاصطناعي الذي يحبه البعض كمزيل لرائحة العرق رغم ثبوت أنه يسبب خللا في الهرمونات وسرطانات الثدي والبروستات والخصية.. كما أن المواد الآنفة الذكر تسبب تشكيلة من أمراض العيون والكلى والكبد والجهاز التنفسي!! وما يثير عجبي هو أنني اقرأ كثيرا عن الآثار الضارة للسجائر ومواد تعطير الهواء ولكنني لا أسمع تحذيرات تقول للناس ان استنشاق البخور لا يختلف في أضراره عن استنشاق اي نوع من الهواء الملوث الضار جدا بالصحة.. ولكنني أعرف أن تأثير أضرار البخور «وقتي» بينما المواد الكيمائية العطرية تبقى معلقة في الهواء والأثاث مددا طويلة وتتغلغل في الجسم وقد لا تظهر أضرارها إلا على «الأحفاد».. والذي يستخدم تلك المعطرات من دون بذل جهد للتخلص من مصادر الرائحة الكريهة كمن يستعيض عن الاستحمام بالعطور الباريسية.. تبقى رائحته مريحة لبعض الوقت ولكن إذا جالسته طويلا حسبت أنك تجلس قرب تيس بالِغ ومبالغ في التياسة.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]