جعفر عباس

بلا وقار بلا بطيخ

[JUSTIFY]
بلا وقار بلا بطيخ

ملايين العرب سمعوا ذلك المغني يبدأ «وصلته» بـ: «عيّرتني بالشيب وهو وقار».. إلخ، وهو في تقديري أسخف بيت شعر بعد: البحر بحرٌ والسماء سماء / والأرض أرضٌ والهواء هواء.. والله لو كانت هناك طريقة غير الصبغة أتخلص بها من الشيب الذي احتل 99,9% من رأسي لما ترددت في اللجوء إليها.. طبعا حلاقة الشعر حتى تصبح فروة الرأس مثل السيراميك ليس حلا عمليا، ولو كان هناك أسلوب جراحي للتخلص من الشيب لما لجأت إليه.. يثقبون فروة رأسي وجمجمتي لزراعة شعر أسود أو تركواز؟ مش ممكن أبداً، ولكن لو قالوا لي هذه 200 او 400 كبسولة تناولها لمدة سنة أو سنتين وليس لها أضرار جانبية لتناولتها في أسبوعين واللي بدو يصير يصير، ولا يعني هذا أنني «أستعر» من الشيب، بدليل أنني لم أفكر قط في صبغ مليمتر واحد من شعري، ولكن الشيب يذكرني بأمر أحاول قدر المستطاع نسيانه، وهو التقدم في العمر، ليس لأنني من الصنف المتصابي، ولكن لأنني -وكما ذكرت مرارا في مقالاتي- لا أريد أن أشغل نفسي بعمري البيولوجي/ الحسابي، لأنني اعتقد أنك تكون عجوزا فقط بقدر إحساسك بالعجز، ولهذا لست من النوع الذي يقول بمناسبة وبدون مناسبة: خلاص راحت علينا.. يا ولد جيب الكرسي عشان أصلي الصبح.. (كلها ركعتان ولن تصاب بالشلل إذا أديتها واقفا وراكعا وساجدا)، طبعا هناك من تستدعي حالة عظامهم استخدام الكرسي للصلاة وارتداء الجوارب على مدار اليوم والسنة حتى وهم دون الخمسين، ولكنني مثل غالبية بني البشر لا أريد أن أصبح عجوزا، ولهذا لا أشكو أبدا بصوت مسموع أمام أحد من آلام الظهر أو الركبة، ولو أدرت وجهي عشر درجات في اتجاه جانبي فإن عظام رقبتي تطقطق، ولهذا تجدني أمشي مثل العساكر في «الطابور» ولا تنجح حسناء مهما تثنت وتغنجت وتلولوت في أن تلوي عنقي: لا نظرة أولى لي ولا ثانية عليّ.
ولهذا أعجبني استطلاع أجرته جمعية ecnarussA lautuM egagnE البريطانية، ولا داعي إلى ترجمة هذا الاسم بل يكفي أنه يعني «شيلني وأشيلك».. يعني يا عواجيز نرفع معنويات بعضنا البعض، وجاء في الاستطلاع الذي شمل 2000 شخص فوق الستين أن 80% منهم يرفضون الصورة النمطية للشخص المتقدم في السن، وخاصّة بعد رفع سنّ التقاعد إلى 65 ثم سبعين ثم جعلها مفتوحة في العديد من المهن، يعني كل من يقول: راحت علينا، لأن ظهره يؤلمه أو لأن قولونه يكركر حتى بعد شرب الماء، سـ«يروح فيها» فعلا لأنه يمارس الإحباط الذاتي
وأذكركم بواقعة كتبت عنها أكثر من مرة: فعندما مثلت أمام نائب القنصل الأمريكي في الدوحة للحصول على تأشيرة دخول للولايات المتحدة ألقى نظرة على جوازي وسألني: متى تنوي التقاعد؟ فقلت له: لا اعتزم التقاعد عن العمل طالما أنا قادر على الحركة.. فقال: من حقك أن تتقاعد وتستمتع ببقية سنوات عمرك (قلت في سري: الله أكبر عليك.. يعني عندك معلومات أو إحساس بأن ما تبقى من عمري قليل)، ثم قلت بصوت مسموع: أنا أجد المتعة في العمل والحركة وليس في الاسترخاء، ثم أضفت: وعلى كل حال فلو فكرت في التقاعد فلن اختار بلادكم كـ«أرشيف» أقضي فيه بقية عمري، فابتسم وقال: تعال وتسلم التأشيرة غدا.
وغدا سأنكد عيشة العواجيز أو من يتباهون بأنهم عواجيز.[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]