قوانين المجتمع …!!
** كان يخرج ليلاً في شوارع المدينة وأزقة الحواري، لا ليتلصص على رعيته، ولكن ليتفقد حالها..ذات مساء، إذ بإعرابية تناجي زوجها الغائب وتنشد في ذكراه شعراً : ( طاول هذا الليل وإسود جانبه، وأرقني إذ لا حبيب ألاعبه / فلولا الذي فوق السماوات عرشه، لزعزع من هذا السرير جوانبه)..فيقترب أمير المؤمنين ويسترق السمع، ثم يسألها من خلف الدار : ما بك يا أختاه ؟..فترد الإعرابية : لقد ذهب زوجي الى ساحات القتال منذ أشهر، وإني إشتاق إليه..فيرجع أمير المؤمنين الى دار إبنته حفصة رضي الله عنها ويسألها : كم تشتاق المرأة الى زوجها؟.. وتستحى الإبنة وتخفض رأسها، فيخاطبها متوسلاً : إن الله لايستحي من الحق، ولولا انه شئ أريد أن أنظر به في أمر الرعية لما سألتك..فتجيب الإبنة : أربعة أشهر أو خمسة أو ستة..ويعود الفاروق الى داره، ويكتب لأمراء الجيش ( لاتحبسوا الجيوش فوق أربعة أشهر)..ويصبح الأمر قانوناً يحفظ للمرأة أهم حقوقها..تابع مسار القانون..لم يصغه الجهاز التنفيذي للدولة، بل صاغه المجتمع (الإعرابية وحفصة )، وإعتمده الجهاز التنفيذي للدولة، لينظم به المجتمع..هكذا تشكل ( قانون المرأة)..!!
** والفاروق ذاته – رضي الله عنه – يواصل التجوال المسائي، متفقداً وليس متلصصاً، وإذ بطفل يصدر أنيناً حزيناً، فيقترب من الدارويسأل عما به، فترد أم الطفلة : (إني أفطمه يا أمير المؤمنين)..حدث طبيعي، أُم تفطم طفلها ولذا يصرخ، ولكن أمير المؤمنين لايمضى الى حال سبيله..بل يحاور أُم الطفل ويكتشف أن الأم فطمت طفلها قبل موعد الفطام لحاجتها لمائة درهم كان يصرفها بيت مال المسلمين لكل طفل بعد الفطام..يرجع الفاروق الى منزله، لا لينام، إذ أنين ذاك الطفل لم يبارح عقله وقلبه، فيصدر أمراً (بصرف المائة درهم للطفل منذ الولادة، وليس بعد الفطام)..ويصبح الأمر قانوناً يحفظ حقوق الأطفال ويحميهم من مخاطر الفطام المبكر..لو لم يحاورالفاروق تلك المرأة لما أصدر قانوناً يحمي حق الطفل في الرضاعة الكاملة..أوهكذا تشكل (قانون الطفل)..!!
** وكان الفاروق يحب أخاه زيد، وكان زيد هذا قد قُتل في حروب الردة.. ذات نهار، بسوق المدينة، يلتقي الفاروق – وجهاً بوجه -بقاتل زيد، وكان قد أسلم وصار فرداً في رعيته..يخاطبه الفاروق غاضباً : ( والله إني لا أحبك حتى تحب الأرض الدم المسفوح).. فيسأله الإعرابي متوجساً : (وهل سينقص ذاك من حقوقي يا أمير المؤمنين؟)، ويُطمئنه امير المؤمنين ( لا)، فيغادره الإعرابي بمنتهى اللامبالاة قائلاً : (إنما تأسى على الحب النساء)..أي مالي أنا وحبك، إذ ليس بيني وبينك غير (الحقوق والواجب)..لم يغضب أمير المؤمنين، ولم يزج به في السجن، بل كظم غضبه على جرأة الإعرابي وسخريته، وواصل التجوال ..لم يفعل ذلك إلا إيماناً بحق هذا الإعرابي في التعبير..وبكظم الغضب وهو في قمة السلطة، وبفضل شجاعة هذا الإعرابي، تشكل في المجتمع (قانون حرية التعبير)..!!
** ثم إمرأة كانت تلك التي جردته ذات جمعة من لقب أمير المؤمنين، حين قالت ( أخطأت ياعمر)..وكانت هذه بمثابة نقطة نظام إمرأة من عامة الناس ترفض قانون المهر الذي صاغه الفاروق عمر..لم يكابر أمير المؤمنين، ولم يزج بالمرأة في السجون ولم يأمر بجلدها، بل إعترف بالخطأ بالنص الصريح ( أخطأ عمر وأصابت إمرأة)، ثم سحب قانونه، وترك للمجتمع أمر تحديد المهور حسب الإستطاعة..هكذا تُصنع القوانين، أي حسب غايات المجتمع وطموحاته وثقافاته، وذلك بالغوص في قاع المجتمع المستهدف بتلك القوانين..فالمجتمع هو مصدر القوانين، وليس السلطة ..لم تتغير الناس ولا الحياة، ولكن ليس في قوم ..( عمر) ..!!
[/JUSTIFY]
إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]