الحب غبي وليس أعمى
ثبت علميا أن الحب ليس أعمى، بل إن المحب هو الذي يكون مصابا بعمى البصيرة، الذي هو درجة محترمة من الغباء، فقد درس روبن دنبار أستاذ علم النفس في جامعة أكسفورد حالات 17 شابا وشابة، كان كل واحد منهم في حالة حب قوي وعنيف، بعد إخضاع أمخاخهم للتصوير بالرنين المغناطيسي الوظائفي fMRI، وأثناء التصوير الذي أشرف عليه الأستاذان سمير زكي وأندرياس بارتلز من كلية لندن الجامعية عرضوا على كل واحد من الـ17 عاشقا صور ثلاثة من الأصدقاء ثم صورة الحبيب/ الحبيبة، وكانت المفاجأة أنه ما ان رأى الواحد منهم صورة المحبوب حتى توقفت أجزاء من الفص الأمامي من الدماغ عنده/ها عن العمل، وهذا الفص هو المسؤول عن العمل العقلاني ذي العيار الثقيل، بينما نشطت فصوص الدماغ التي تجعل الفسيخ شربات، ولم تتوقف أبحاث بروفسر دنبار عند هذا الحد، فلأنه فائق ورائق فقد قام بتحليل سجل المكالمات الهاتفية بين المحبين، واتضح له ان الرجل هو الأكثر اتصالا هاتفيا بالمرأة التي يحبها خلال السنوات السبع الأولى من العلاقة أكثر من أي شخص آخر يعرفه، وبعدها تتغير أولوياته الاتصالاتية، في حين أن المرأة تظل طوال الـ14 سنة الأولى من العلاقة تتصل بالمحبوب أكثر من غيره من الناس (مما يؤكد ما يعرفه غالبية الناس من ان المرأة أكثر وفاء من الرجل).
والشاهد يا جماعة من هذه الدراسة هو أن الحب القوي يجعلك عاجزا عن رؤية عيوب المحبوب مهما كانت بادية في أعين من حولك، ولهذا تجد شابا متيما بفتاة يقول عنها أقاربه وأصدقاؤه إنها قبيحة أو بلهاء أو وقحة أو ذات قلب فندقي يستضيف أكثر من حبيب في الوقت نفسه، أو فتاة تهيم بحب شاب يقول عنه كل من يعرفه إن عينه زائغة وإنه رخم ولطخ وكسول وقيحة، ويكون رد المحب في الحالتين: بموت فيها/ فيه، ولهذا فالحب في حد ذاته ليس أعمى، بل يعطل بعض المدارك وهذا ما عناه الشاعر بقوله: وعين الرضا عن كل عيب كليلة.. وزواج يقوم على منطق «بموت فيه/ فيها» متغاضيا عن عيوب صارخة في الطرف الذي يتم «الموت فيه»، هو المنطق نفسه «بموت في الفسيخ» فالإكثار من أكل الفسيخ يسبب تشكيلة من أمراض الجهاز الهضمي والدورة الدموية وصولا إلى ارتفاع حاد في ضغط الدم الشرياني المسمى بالقاتل الصامت.
ولكن وقائع الحياة والدراسات العلمية تؤكد من جهة أخرى أن من يخضعون مشاعرهم تجاه الجنس الآخر للحساب بالسنتي والميللي والسي سي، لا يفلحون أبدا في الدخول في علاقات عاطفية، لأن الحب الحقيقي يتطلب درجة من التسامح والتغاضي عن بعض عيوب المحبوب، ولكن بشرط أن يكون المحب مدركا لتلك العيوب وعازما على حث الطرف الآخر على التغلب عليها أو عازما على الاستمرار في التغاضي عنها، وآفة الحب الغبي في تقديري هي أن يكون قائما على الانبهار بالشكل والمظهر، فيكون كل ما يهم الشاب في محبوبته أنها جميلة وفاتنة وفتاكة وشيك و«هيب»، وما يهم الفتاة في الحبيب أنه شديد الوسامة والأناقة و«عصري»، فجمال الشكل والمظهر أمران أساسيان في اختيار المحبوب وشريك الحياة، ولكنهما في غياب الجمال الجواني يصبحان مجرد زبد يذهب جفاء… شوف بنفسك كم من الأثرياء الوجهاء انبهروا بحسناوات الطرب والتمثيل وتزوجوا بهن وأقاموا حفلات تناقلت وقائعها الركبان، وأتحداك أن تذكر لي زيجة واحدة من تلك الزيجات صمدت أكثر من خمس سنوات.
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]