جعفر عباس

محترف الكذب غبي بالضرورة


[JUSTIFY]
محترف الكذب غبي بالضرورة

مازلت أذكر بعض تفاصيل فيلم كوميدي طريف من بطولة الحسناء الإيطالية صوفيا لورين، ترتكب فيه مخالفة قانونية تستوجب إيداعها السجن، ولأنها كانت حاملا فقد قررت المحكمة أن تدخل السجن بعد أن تضع مولودها بسنة، أي بعد ان يكون الطفل قد أكمل عاما ويمكن فطامه، وهكذا عملت صوفيا من حكاية الحمل والولادة «شغلانة» فعلى بال ما تنجب طفلا ويقترب من إكمال عامه الأول، تكون قد حبلت بالمولود التالي، وظلت على هذا المنوال لسنوات حتى سقطت العقوبة بالتقادم كما يقول أهل القانون.
تذكرت ذلك الفيلم وأنا أقرأ تفاصيل محاكمة ممرضة في مدينة بولونيا في شمال إيطاليا، لم تمارس التمريض طوال تسع سنوات، إلا لستة أيام، وظلت تتقاضى راتبها على داير المليم طوال تلك الفترة، مبررة غيابها عن العمل بالحمل والإنجاب تارة، وبأمراض الجهاز الهضمي او التنفسي او المسالك البولية تارات أخرى، والتهمة التي تواجهها الممرضة هي الاحتيال وتلقي رواتب تزيد على خمسين ألف دولار بدون وجه حق بعد أن ثبت أنها لم تنجب لا بالحلال ولا بالحرام، ولا نملة، وأكد جيرانها أنها ظلت طالعة ونازلة في لياقة وحيد القرن طوال السنوات التي ظلت تدعي فيها الحمل والإنجاب والمرض، وعلى أحسن الفروض سيتم إلزامها برد تلك المبالغ وقضاء حين من الدهر ولو قصير في السجن.
هناك أناس من فرط غبائهم يفترضون الغباء في الآخرين، والممرضة الإيطالية هذه من هذه الفئة، وتحضرني هنا مقولة جميلة للرئيس الأمريكي الأشهر أبراهام لنكن: تستطيع أن تخدع كل الناس لبعض الوقت، وتستطيع أن تخدع بعض الناس كل الوقت، ولكنك لا تستطيع خداع كل الناس كل الوقت.. وأكثر الناس غباءً هم مدمنو الكذب.. نعم فالبعض يدمن الكذب بدرجة أنه يكذب في ما هو معلوم لدى الكافة: والدتي اخترعت البنسلين عام 1970، فتقول له إن البنسلين اكتشاف وليس اختراعا وأن مكتشفه هو الكساندر فليمنغ، فيصيح فيك: فليمنغ اكتشف الانسولين بينما والدتي اخترعت البنسلين بخلط الفلفل مع السيراميك والنشادر.. والكذاب الغبي هو الذي يتغيب عن العمل أسبوعين ويعلل ذلك بأن والده توفي، فإذا قالوا له إنه تغيب مدة مماثلة قبل ثلاث سنوات لوفاة أبيه رد عليهم: ذلك كان أبي بالرضاع.
وبعد العمل في عدة مواقع في عدة بلدان اكتسبت فراسة في اكتشاف كذب المتسيبين عن العمل، فهناك دائما شخص أو أكثر يتغيبون عن العمل مرارا وتكرارا متعللين بالمرض أو وفاة قريب أو بعيد.. ولن أنسى وقائع عضويتي في مجلس تأديب شخص من هذا الصنف جرى التحقيق معه حول غيابه المتكرر عن العمل، وكلما قالوا له: غبت يوم كذا وكذا، قال لأنه حدث فيه كذا وكذا، إلى أن سأله أحد أعضاء المجلس: ولماذا تغيبت عن اجتماع يوم كذا في شهر كذا رغم أنك كنت مطالبا بعرض تقرير مهم على المجتمعين؟ وكان العذر جاهزا: دا كان يوم أسود.. قطعت الطريق على سيارتي سيدة عجوز فانحرفت بالسيارة 180 درجة فسقطت في حفرة وتعرضت لكسور في العظام.. هنا كانت المفاجأة تنتظرنا حتى نحن أعضاء مجلس التأديب، لأن من طرح السؤال قال: أولا أنت لا تعرف كيفية قيادة السيارة ولا تملك رخصة لقيادة سيارة ولا عمرك امتلكت سيارة… وبينما صاحبنا الكذاب يحك رأسه كي يخرج من هذه الحفرة جاءه سؤال صادم: ثم كيف وأنت عظامك مكسرة داومت في اليوم التالي والذي يليه؟
هل يعني هذا أنني لا أمارس الزوغان من العمل؟ كلا بالطبع، بل أزوغ و«نص»، ولكنني لا «أمسخها» بكثرة الزوغان أو بانتحال أعذار سخيفة، بل أقول لرئيسي المباشر كلاما من نوع: ما عندي نفس للشغل.. أو عندي التزامات مهمة تتطلب الغياب عن العمل، وقد اكتشفت بالتالي معنى «الواضح ما فاضح»، قل الحق لتتجنب الافتضاح وانكشاف الحال.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]