رأسي خط أحمر
ربما نسي البعض النعجة دوللي، وهي أول كائن تم استنساخه من خلايا كائن مشابه، في تسعينيات القرن الماضي، ثم صار الاستنساخ ممارسة عادية، وقد كتبت من قبل عن السيدة الأمريكية البلهاء التي باعت كل ما هو «قدامها ووراءها» وكان عبارة عن بيت ورثته عن زوجها الراحل- وسافرت إلى كوريا وأنفقت عائد بيع البيت لاستنساخ كلبها الراحل «المقيم في قلبها»، ولأنها غبية فقد طلبت نسختين من الكلب، وأصفها بالغباء لأن الكلبين المستنسخين سيعيشان عمرين متقاربين وبالتالي سيموتان في فترتين متقاربتين (متوسط عمر الكلب 12-13 سنة)، ولو كانت ميتة في دباديب كلبها الميت لطلبت نسخة واحدة منه ثم لو مد الله في أيامها تستنسخ آخر بعد وفاة المستنسخ، ولا أدري ما هو حال الملياردير المصري المقيم في بريطانيا محمد الفايد الذي كان قد أعلن أنه يريد استنساخ نفسه، على أن يتم دفن جثمانه بعد موته على سطح متاجر هارودز بينما يبقى الفايد المستنسخ داخل المتاجر، فقد أعطاه القطريون «زمبة» واشتروا هارودز، ولو كنت مكانه لطلبت حسن الخاتمة بأن أمنح جزءا من ثروتي لشخص مثل أبي الجعافر لم يعرف الثراء وهو في حاله ونسخته الأصلية، وقد سبق لي إبلاغ الفايد بأن الشخص المستنسخ منه قد «يطلع سفيه وعربيد» ويشوه سمعته.
وقد عرفت البشرية حتى الآن ثلاث تجارب فقط ناجحة لزراعة الوجوه لأشخاص أصيبوا بتشوهات أفقدتهم إما عينا وإما أنفا وإما جزءا من الفم، وقد رأيت صورة أول سيدة خضعت لعملية زراعة وجه، ولم أر فيها أثرا للنجاح، لأن الفم كان قريبا من إحدى الأذنين وكانت كل عين «في بلد» أي لم تكونا في خط مستقيم، مما استوجب إخضاعها لاحقا لعدد من جراحات التجميل حتى تتخلص من وجهها الذي «يقطع الخميرة» كما نقول في السودان عن القبح الشديد، ولكن كل الطفرات في عالم الجراحة الطبية تبدأ متعثرة إلى أن تتراكم الخبرات ويصل الجراحون إلى مرحلة التجويد.
سيرجيو كانافيرو جراح مخ وأعصاب إيطالي ماهر طبقت شهرته الآفاق لأنه عالج أشخاصا دخلوا في غيبوبات لسنوات بعد إصابتهم بكسور وتلف في الأدمغة، فكتب لهم الشفاء واستئناف الحياة العادية، وخرج علينا كانافيرو مؤخرا معلنا أنه يعتزم زرع رأس إنسان في جسد إنسان آخر، يعني يأخذ الرأس من مريض مصاب بأمراض عصبية تقود إلى الشلل التام ثم الوفاة إلى أجساد آخرين إصابة الواحد منهم جسيمة في الدماغ/ الرأس.. وقد أعلن أمريكي مصاب بشلل في كامل الجسد أسفل العنق عن استعداده للتبرع برأسه لشخص «يستأهل»،.. وإذا نجحت هذه العمليات فإنها ستسبب ربكة لأن شخصا في العشرين قد يحمل رأس شخص في الستين.. ومن الممكن نظريا أن يجمل جعفر عباس رأس نانسي عجرم.. ما فيها شيء لأن الرأس ليس فيه من علامات الأنوثة سوى الشعر الطويل، وفي عصرنا الراهن هناك رجال شعر رؤوسهم أطول من شعر هيفاء وهبي.
المشكلة مع هذه الجراحات هي أنها تتطلب القتل العمد لشخص حي بعد إقناعه أو إقناع أهله بأن رأسه «زي قلّته»، ويختلف هذا عن الاستئذان من أهل مريض ميت سريريا/ دماغيا بأن يوقفوا عنه الأجهزة التي تبقيه على قيد الحياة لحين من الزمان والتبرع بأعضائه لمرضى هناك أمل في شفائهم.. ولكن أن يقول الجراح لمريض: لو سمحت ممكن نقطع رأسك لأنك ما تستأهله ونعطيه لشخص آخر، فهذا ليس من الطب والأخلاق في شيء، وشخصيا لا مانع عندي في التبرع بأعضائي حيا أو ميتا لكنني أعلنها هنا: الرأس لا لا لا لا.. لا جراح يزرع لي رأسا ولا رأسي يتم زرعها لشخص آخر.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]