الرك على لون البشرة
في آخر زيارة لي للسودان حاورتني صحيفة وسألتني كشخص عاش خارج السودان مدة أطوال من تلك التي عاشها فيه، عن انطباعي عن الخرطوم، فقلت لهم إن بنات السودان صرن أكثر أناقة وحلاوة، وان مستوى الفرش والأثاث في البيوت صار في منتهى الرقي والجمال، وأضفت أن ذلك دليل انشغال بتوافه الأمور، لأنه لم تحدث طفرة في مستوى دخل الفرد تفسر الطفرة في الاهتمام بالقشور، في كل الدول العربية، تجد ان ثقافة الأناقة صارت مترسخة بين الشباب من الجنسين، وصار الأولاد والبنات ينفقون وقتا طويلا أمام المرآة قبل الخروج من البيوت، واضعين أمامهم تشكيلة من العلب وترى الواحد منهم يرفع يده الى وجهه وينزلها الى الأدوات التي أمامه بمهارة وخفة، فتحسبه جراح مخ وأعصاب متمرسا.. الوسامة والملاحة والقيافة صارت صنعة وصرعة على حساب القوت الضروري، فلوازم المكياج صارت أهم من لوازم الطبخ أخذا في الاعتبار أن علبة عادية من البودرة الفرنسية أغلى ثمنا من عشرة كيلوجرامات من الفول أو العدس… في إحدى الدول الخليجية محلّ للملابس النسائية كل المعروضات فيه بالشيء الفلاني، وكان من بينها فستان، يقول العارفون بشؤون الأناقة إنه يجنن، ولكنني رأيته على جسم عارضة فرنسية وأعتقد أنه «زي قلَّته»، يعني ارتداؤه أو الخروج بدون أي فستان سيان، لأنه يكشف الجزء العلوي من الجسم وبه ممرات في الجزء السفلي تسمح بتسلل النظرات من كل اتجاه.. المهم ان ثمن ذلك الفستان نحو تسعة آلاف دولار، يعني أغلى ثمنا من سيارات معظم قراء هذه الزاوية.. واختفى الفستان من المحل، وكانت الصحف قد نشرت صورة العارضة الفرنسية وهي ترتدي الفستان الذي ينتمي الى فصيلة بي ام دبليو في عالم الأزياء.. وفي حفل زفاف رأت سيدة شقيقة العروس وهي ترتدي ذلك الفستان الذي صار أشهر من حليمة بولند، بعد ان ذاع أمر سرقته.. واتصلت بصاحبة المحل التي هرعت الى مكان الحفل وتأكدت من ان تلك الفتاة ترتدي الفستان المسروق، واتصلت بالشرطة، وبعد سين وجيم اتضح ان الفتاة دخلت المحل وحشرت الفستان في بطنها حتى بدت حبلى، وخرجت لتكشخ به في حفل زواج أختها، وانتهى بها الأمر وهي تنكشح في مخفر الشرطة بعد ان رفضت صاحبة المحل عرضا من والد الفتاة بسداد قيمة الفستان.. ولكنها لم ترد ان تفسد زواج أخت السارقة وتنازلت عن القضية بعد ان استردت الفستان الذي ارتفعت قيمته بعد ان أصبح «مشهورا» وتستطيع من تشتريه ان تقول: هادا هو الفستان اللي كتبت عنه الجرايد!
قبل أيام كنت مشاركا في اجتماع به «خبراء أجانب» واختارت لي أم الجعافر ملابسي بعناية، لأنها لو تركت لي أمر اختيارها مع عمى الألوان الذي أعاني منه فسأكون أراجوزا بين الحاضرين، وعند دخولي المبنى حيث قاعة الاجتماع تعثرت خطوتي، وانتبهت الى أن نعل حذائي كاد ان ينفصل عن الجزء العلوي.. يا للهول.. لحسن حظي كان المبنى جديدا وبه عمال يثبتون السجاد في بعض غرفه فدخلت عليهم وطلبت منهم تثبيت نعل الحذاء بالغراء، فضخُّوا فيه من الغراء ما يكفي لسد فم وحيد القرن.. ودخلت الاجتماع وبدأ المشاركون في العطس.. واعترفت لهم صراحة بما حدث فتم رفع الجلسة الى ان يجف الغراء وتصبح رائحته أقل حدة… ولم أحس بأي حرج أو خجل وأنا أعترف أمامهم ضمنا بأن حذائي ذاك كان منتهي الصلاحية أو مصدره سوق الحراج.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]