الحركة والتعداد .. علاقة مترددة
إعلان حكومة الجنوب تأجيل الإحصاء السكاني الذي كان مقرراً له منتصف أبريل من العام الماضي، إلى آخر العام، أسفر في نهاية الأمر عن تأجيل العملية أسبوعاً واحداً فقط، وزيادة تكاليفها بسبعة وعشرين مليون دولار إضافية، رغم أن مؤسسة الرئاسة نجحت في معالجة الأزمة حينها بما يضمن إجراء العملية، إلا أن الاتفاق على القبول بنتائجها ظل أمراً مشكوكاً فيه، إذ احتفظت الحركة الشعبية لنفسها بعدة ملاحظات فنية، وبلغ التحفظ حداً أعلنت معه قيادة الحركة أنها لن تقبل بالنتائج إذا نقص عدد الجنوبيين عن سقف بعينه.
………………………………………………………………………………………
الأسباب التي بررت بها الحركة مطالبتها بالتأجيل في ذلك الوقت، كما ذكرها غبريال شانغسون وزير الإعلام بالجنوب تمثلت في الأعداد الكبيرة من الجنوبيين المقيمين في الشمال، وتأثير عدم وجودهم في الجنوب على اقتسام الثروة، والسلطة، إلى جانب تزامن إجراء العملية مع موسم الأمطار، الذي يبدأ في مايو وينتهي في أكتوبر.
القضية الثانية التي برزت كموضع جدل كانت قضية العرق والدين، إذ طالبت الحركة بتضمين إستمارة الإحصاء سؤالاً عن العرق والدين، في الجانب الآخر كان المؤتمر الوطني يرى أن لا ضرورة لإدراج هذا السؤال في استمارة التعداد، خاصة وأنها تتضمن سؤالاً عما إذا كان الشخص يعتبر نفسه شمالياً أم جنوبياً.
وقبيل ظهور نتائج التعداد التي يبدو أن الإعلان عنها اقترب بعد إعلان لجنة المراقبة أنها ستعلن عن تقاريرها في مؤتمر صحفي السبت المقبل، كشف باقان أموم الأمين العام للحركة في مقابلة إذاعية أن تأجيل إعلان النتيجة يعود لتناقضات بين الحركة والحكومة المركزية، وخلافات بين لجان التعداد في الشمال والجنوب، قبل أن يأتي لأحد أهم الإستحقاقات التي تترتب على النتائج وهي الانتخابات المقبلة، ويشير إلى أنها ربما تكون موضع شك، ويقدم ما يشبه إقتراحاً بأن يتم الإعتماد على التعدادات السكانية السابقة، كأساس تعتمد عليه الانتخابات.
وتكمن المشكلة الرئيسية في أن نتائج التعداد حاسمة لناحية تحديد حجم الدوائر الانتخابية في مختلف أنحاء السودان كما يقول بروفيسور حسن حاج على المحلل السياسي، وتؤثر على ثقل الدوائر في كل منطقة، وبالتالي على عدد مقاعدها في البرلمان وثقلها السياسي، كما أنها تؤثر على إستفتاء تقرير المصير للجنوب، سواء كان من سيمنحوا حق التصويت في ذلك الإستفتاء هم الجنوبييون داخل حدود الإقليم، أم الجنوبيون المقيمون في الشمال، ويشير بروفيسور حسن إلى أن تأخر إعلان نتائج التعداد نجم عنه تأجيل الانتخابات حتى فبراير القادم، ويمضي إلى أن مشكلة الحركة الأولى لا تتمثل في عدد الجنوبيين في الجنوب وعددهم في الشمال بل في عددهم الإجمالي ونسبتهم من مجموع سكان البلاد إذ يرتبط ذلك بقسمة السلطة القائمة على عدد سكان المناطق والأقاليم كما أشارت لذلك اتفاقية نيفاشا، وبمشروع السودان الجديد الذي يقوم على فكرة التهميش، وعلى افتراض أنهم يمثلون أغلبية سكان البلاد.
ويقول البعض إن النسبة التي أقرتها اتفاقية السلام للحركة الشعبية من السلطة والثروة تفوق نسبة عدد سكان الجنوب الفعليين من إجمالي عدد السكان، ما يتضمن إشارة إلى أن الحركة أخذت جزءاً من الكعكة يفوق حجمها، ويمضي أصحاب هذا الرأى إلى القول إن الحركة تحفظت على عملية التعداد ونتائجها مسبقاً لتحمي ظهرها وتقطع الطريق على أية محاولة للحديث عن خفض نصيبها في السلطة والثروة، في المقابل يقول آخرون أن عدد سكان الجنوب الحاليين يتأثر بالضرورة بموجات النزوح الكبيرة نحو الشمال إبان فترة الحرب الطويلة، وأن جهود إعادة هؤلاء إلى الإقليم لم تمض بالشكل المطلوب، ما يجعل الإعتماد على عدد السكان الموجودين داخل حدود الإقليم أمراً غير دقيق، إلى جانب نسبة العشرة بالمائة من مساحة الجنوب التي لم يتمكن الإحصاء الأخير من تغطيتها بسبب عوائق مختلفة.
ين ماثيو الناطق الرسمي باسم الحركة قال إنهم ينتظرون النتيجة ولم يحدد إذا كانوا سيقبلونها أم سيرفضونها، وأضاف أن التعداد عملية فنية بحتة وأن آداب الحركة لا تسمح لها بالتدخل في الشئون الفنية، وأنها كشفت عن ملاحظاتها الفنية على التعداد في حينها، وتعليقاً على التصريحات المنسوبة لباقان أموم حول إمكانية إعتماد نتائج تعدادات سابقة اعتبر ماثيو أن ذلك يمكن أن يكون حلاً مناسباً، إذا كانت النتائج التي سيعلن عنها فيما بعد موضع شك.
لكن بروفيسور حسن يقول إن من الصعوبة بمكان أن تجري تعداداً بموافقة ودعم دولي وتأتي في نهاية المطاف لتقول إنك ستعتمد على نتائج عمليات إحصاء قديمة، ويرى أن الحركة ستجد نفسها في موقف حرج ليس داخلياً فحسب، ولكن بالنسبة للخارج أيضاً إذا رفضت نتائج الإحصاء، خاصة وأن العملية تمت بمشاركة مراقبين محليين وأقليميين ودوليين.
خلافات الشريكين حول عملية التعداد والأوان المناسب لإجرائها قادت إلى تأجيلها أربع مرات، ويبدو أن خلافاتهما وتحفظات الحركة الشعبية عادت ثانية لتؤجل الإعلان عن النتائج النهائية، وإذا استمرت تحفظات الحركة إلى ما بعد إعلان النتائج، فربما يضاف إلى قائمة التأجيل وضع تلك النتائج حيز التنفيذ، كأساس للانتخابات.
مجاهد بشير :الراي العام