تحقيقات وتقارير

أضبط… (أغاني البنات) بحناجر الرجال..!


بالرغم من قيام الإعلام والمبدعين من الفنانين والشعراء والموسيقيين بدورهم كاملاً في محاربة ظاهرة تسلل وتمدد أغاني البنات بالحفلات والمناسبات الخاصة والعامة وتقديمها بأصوات المطربين الشباب في محاولة للقضاء عليها وتوعية المجتمع والأسر السودانية بالأخطار السلبية المحدقة بأبنائهم من جراء تقبل هذه الأغاني الهابطة، لاتزال الظاهرة تستفحل وتنتشر وفي ازدياد مستمر يدعو للقلق. نثير اليوم قضية أغاني البنات بحناجر الرجال ونفتح ملفها ونتناوله بالشرح والتحليل مع عدد من الفنانين والمختصين في هذه الإفادات:
غناء لتعليم العروس الرقص..!
الموسيقار د. الماحي سليمان في مؤلفه عن أغاني البنات، عرفه بأنه غناء الشريحة العمرية للفتيات من مرحلة المراهقة حتى سن الأربعين تقريباً ومن خلال غنائهن يحاولن التعبير عن مواقفهن من قضايا المجتمع التي تخص عالمهن، وعادة ما تدور موضوعات ذلك الغناء حول قضايا الكبت العاطفي الناتج عن التقاليد الصارمة في المجتمعات المحافظة والتي عادة ما تنظر للعلاقة بين الرجل والمرأة بكثير من محاذير الضبط الإجتماعى، وانتشر هذا الغناء بواسطة معلمات الرقص ويطلق عليه (غناء التعليمة) والمقصود به تعليم العروس فنون الرقص المختلفة، وذلك في فترة أيام الفرح التي تستمر لأكثر من شهر قبل إتمام الزواج وهي فترة محببة للنساء لأنها ترتبط بعملهن.
في دق الريحة ومشاط الشعر والحنة
وهو أصلا شكل من أشكال الغناء الشعبي ولكن له خاصية مزدوجة في شعبية شكلها ونصوصها وأساليب أدائها، ومضامين شعرية ولحنية معاصرة بحكم أنها دائما ما يتم تأليفها وإنتاجها في المجتمعات المدنية في عواصم المدن، التي ينقسم مجتمعها إلى مدني وآخر محافظ على ريفيته بحكم الهجرة مما خلق نوعاً من التأثير والتأثر المستمر في استخدام المفردات اللغوية أو اللحنية، ونتيجة لهذه الصفات المزدوجة فقد عرف علماء الفلكلور هذا النوع من الغناء باسم الغناء الدارج أو الشائع لأنه لا يحتوي على الخصائص الفنية للغناء الحديث مكتملة وهو بهذه الكيفية يعتبر (هجيناً ما بين الشعبي والحديث) وكلاهما يحمل الصفات المتوارثة والمشتركة بين جميع قبائل السودان بالرغم من التنوع الذي تذخر به الثقافة الموسيقية السودانية.
شركات الإنتاج استغلت الظاهرة !
أوضح د. الماحي أن الآلات المستخدمة في غناء البنات هي الدلوكة أي الطبل المتوسط بمصاحبة الشتم وهي طبول صغيرة ويطرق عليها بالمطرق، وحالياً دخلت آلة الأورغن كآلة منفردة أو بمصاحبة مجموعة من الآلات، أما الأداء الغنائي فعادة ما يكون لمغنية (صولو) والتي تبدأ بمذهب الأغنية (عصا الأغنية) وهو الجزء الذي تشاركها فيه النساء بالكورس ولا تكتفني المغنية بأداء الأبيات المعروفة للأغنية بل تمارس أحياناً تأليفاً حراً للكلمات تلتقطها من الكورس ومن خلال الجو العام للمناسبة وإدخال أسماء العريس والعروس وبعض الحضور إضافة إلى إدخال همهمات وتنهيدات والتي تعتبر بمثابة (التحلية) للأغنية، كما يلاحظ إشتمال الأغنيات على كلمات عفوية ومباشرة غير ملائمة تتناول محاسن المرأة ومفاتنها دون حرج، ولذلك تصبح الأغنية أكثر جاذبية بمقدار الكلمات الهابطة التي أدخلت عليها.
وأكد د. الماحى: بالرغم من الآراء السالبة حول هذا الغناء ونعته بالغناء الهابط إلا أنه يجد اهتماماً كبيراً عند المرأة والرجل على حد سواء، وفي ذلك نجد أن بعض شركات الإنتاج الفني نشرت منه مجموعة كبيرة من الأشرطة التي سجلت أرقاماً قياسية في التوزيع، وأشار إلى أنه نظراً لما تتميز به ألحان أغاني البنات من خصائص فنية تتمثل في رشاقة الألحان وجمالها وخفة ايقاعها وجماعية أدائها وسهولة تناقلها التلقائي من جيل إلى آخر وبطرق مباشرة وغير مباشرة أدى ذلك إلى ظاهرة الاستلهام الإيجابى لألحان تلك الأغاني في الأغاني الحديثة إنطلاقا من نظرية التقويم (Nationaliztion) وفي ذلك نجد تجارب الرواد الأوائل من الفنانين المحدثين حيث أدخلوا بعض ألحان أغاني البنات في شكل أغنية خفيفة تأتي في نهاية أغنياتهم أطلقوا عليها اسم الكسرة ومن أشهر الكسرات أغنيات (الحبيب وين قالوا لى سافر- إبراهيم الكاشف الرسموك في ضميرى- أحمد المصطفى ناس لالا- عثمان حسين- الحجل بالرجل لحسن عطية) ونجد بعض الفنانين المعاصرين قد اتخذوا نفس النهج ولكن برؤية حديثة منهم يوسف الموصلى في أغنية الحجروك علي، وبلدنا نعلي شانا كما نجد أغنية عينيه يا سبب الأذى للفنان رمضان زايد، ويجوا عايدين لعائشة الفلاتية، والعجب حبيبى التي اشتهر بترديدها وتقديمها الفنان الراحل محمود عبد العزيز، ونجد أن أغاني البنات وجدت طريقها للإعلانات وهذا يؤكد قوة انتشارها وأستخدامها.
رخصة الغناء خاضعة للرقابة !
اعترف الفنان د.عبد القادر سالم بوجود ظاهرة تقديم أغاني البنات والغناء الهابط في الحفلات وبيوت الأفراح من قبل بعض المطربين الشباب وهم قلة وليس كلهم في فترة ما. وكشف د. عبد القادر في حديثه أن مجلس المهن الموسيقية والمسرحية استطاع منذ مجيئه أن يحجم كثيراً من ظاهرة تقديم الغناء الهابط والقضاء عليه بصورة شبه تامة، وأستشهد بعدد من المطربين الشباب رفض الإفصاح عن ذكر أسمائهم كانوا مشهورين بتقديم هذه اللونية أقلعوا تماماً عن هذا الغناء بعد نيلهم لرخصة مجلس المهن لممارسة الغناء بعد أن تقدموا بأغنيات خاصة جادة واشترط عليهم المجلس عدم تقديم الغناء الهابط والا ستسحب منهم الرخصة.
وأكد د. عبد القادر أن مجلس المهن الموسيقية والمسرحية يمارس دوراً رقابياً وتقييمياً لهؤلاء المنتسبين لعضويته من المطربين الشباب وفي حال ثبت للمجلس مخالفتهم للشروط واللوائح وتقديمهم للغناء الهابط سيتم حرمانهم من الرخصة ومزاولة الغناء، وأبدى د.عبد القادر تفاؤله بإمكانية القضاء النهائي على ظاهرة الغناء الهابط بصورة نهائية بمرور الوقت خاصة وأنها انحسرت لدرجة كبيرة.
العلاج العلمي هو الحل !
كشفت الأستاذة سارة أبو الإختصاصية الإجتماعية والخبيرة في شئون المرأة أن الرجال الذين اشتهروا بترديد أغاني البنات كانوا موجودين وهم كجيل وجدوهم أمامهم في المجتمع ولم يكونوا محاربين لكنهم كانوا ينحصرون فقط في حفلات (دق الزار) المقامة للنساء في البيوت.
واوضحت أ. سارة أنه نتيجة لتطور المجتمع أصبح هؤلاء الرجال يتغنون في الحفلات ومناسبات بيوت الأفراح، مشيرة أن مطرباً معروفاً بترديد هذا النوع من الغناء في فترة سابقة فتحت له أبواب الاذاعة على مصراعيها وأضافت أن ذلك لم يكن مقبولاً لا اجتماعيا ولا أخلاقيا أن يحمل بعض منهم ألقاب البنات، وأكدت أن هذا هو الواقع، وطالبت د. سارة بضرورة علاج الظاهرة في الإطار العلمي وليس بالتخويف، لأن ذلك سيجعلهم يعملون في الظلام وسينتشرون ويزداد عددهم.

تقرير: عمار عبد الله: حكايات