تحقيقات وتقارير

تسجيل المواليد..البحث عن أساليب جديدة ومتطـورة

[JUSTIFY]ظلت قضية تدني تسجيل المواليد واحدة من القضايا الشائكة والمعقدة التي أرقت القائمين على أمرها. وبحسب المسح الصحي فإن نسبة كبيرة من الأسر خاصة في الأطراف لا يدركون أهمية تسجيل مواليدهم الأمر الذي يجعل الأطفال غير المسجلين عرضة للحرمان من التعليم والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الاجتماعية الأساسية، فبدون إثبات شهادات للعمر يتعرض الطفل لخطر التجنيد دون السن القانونية واستغلاله، إضافة إلى مخاطر الاتجار بالبشر. ونجد أن عدم حيازتهم على هذه الورقة الثبوتية البسيطة في أيديهم، يؤثر عليهم خاصة الأطفال المنفصلين عن عائلاتهم في أوقات الأزمات والحروب فيصبحون غير قادرين على تقديم معلومات مهمة تساعد في جمع شملهم بأسرهم. ففي هذا الاتجاه نظم المجلس القومي لرعاية الطفولة الورشة التشاورية لتسجيل المواليد وارتباطه بقضايا الطفولة. وناقش الخبراء خلال الورشة التي اختتمت أعمالها أمس الأول بفندق القراند هوليدي فيلا والتي استمرت ليومين عدداً من الأوارق العلمية التي احتوت علي معوقات ومشكلات تسجيل المواليد في السودان وحصر وتسجيل القابلات في السودان، كما استصحبت تجارب عدد من الدول الناجحة في تسجيل المواليد ولم تغفل الوضع الحالي والخطط المستقبلية للتسجيل والأثر القانوني لشهادة الميلاد وموقعها بين الحقوق وواجبات الأطفال.

مجانية شهادة الميلاد
وفي ذات المنحى طالبت الأمين العام لمجلس الطفولة آمال محمود بتفعيل قرار مجانية شهادة الميلاد وابتكار أساليب جديدة لتسجيل المواليد معربة عن أملها في الوصول الى نسبة 90 % بنهاية الإستراتيجية الثلاثية وإيجاد شراكة مع القطاع الخاص للارتقاء بأوضاع الأطفال، مشيرة الى أن تعزيز الأنظمة يبدأ بتعزيز الإجراءات والربط من أعلى المستويات، مشددة على أهمية أن يعي المجتمع أن التسجيل يضمن تمتع المولود بكل حقوقه، مؤكدة على أهمية الدعومات الفنية والمالية للشركاء، بجانب التخطيط لسد الفجوات المطلوبة على مستوى حماية الفئات الخاصة والشرائح الضعيفة في الظروف الاستثنائية، فضلاً عن وضع الخطط السليمة للتنمية والخدمات الأساسية الخاصة بالأطفال.

منظومة متكاملة
وفي سياق متصل كشف منسق البرنامج القومي لتسجيل المواليد بالمجلس أكثم السماني عن وصول نسبة تسجيل المواليد الى «59%»، مطالباً بحصر وتسجيل القابلات خاصة وان أكثر من 80% من الولادات تتم خارج نطاق المؤسسات الصحية، بجانب تنفيذ حملات توعية شاملة لاستثمار تلك الفرص المتاحة والاطلاع على تجارب الدول، مؤكداً على أهمية إعداد مذكرة تفاهم لتحديد الأدوار لاستدامة التسجيل والتوافق مع المعايير الدولية، وأضاف ان الورشة تجيء ضمن منظومة متكاملة من الأنشطة والبرامج التي نسعى الى إنفاذها في إطار اختصاصات المجلس استناداً إلى الموجهات العامة للإستراتيجية القومية الشاملة لتطوير نظم السجل المدني والإحصاءات الحيوية، وذلك بهدف تسليط الضوء على أهمية تسجيل المواليد بوصفه خطوة اولى نحو تمكين الأطفال من حقوقهم في الرعاية، وحشد وتعزيز الإرادة السياسية نحو تقوية نظم تسجيل المواليد.

توسيع التغطية
ومن جهتها أقرت فريدة حسن البنا ــ وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي بأن تحسين خدمات الأمومة تشكل تحدياً بارزا لوضع المرأة وقالت إن نسبة وفيات الأمهات لا تزال عالية حيث تبلغ النسبة 216 لكل مائة ألف حالة ولادة حية مشددة على أهمية معالجة العادات الضارة، ولفت الى جملة من الإستراتيجيات التي اتخذتها وزارة الصحة لتوسيع التغطية ونشر الخدمات للمناطق النائية وتخفيض وفيات الأمهات ومجانية العلاج إلا ان الخدمات في مؤسسات الإحالة تفتقر الي مقومات تقديم العناية في حالة الطوارئ واستمرار ممارسة العادات الضارة والمفاهيم الخاطئة وزيادة انتشار مرض الإيدز والسرطان وسط النساء وزادت أن عدد القابلات المدربات لا يتناسب مع السياسة التي انتهجتها وزارة الصحة لتوفير قابلة لكل قرية وترتفع نسبة الولادة بالبيوت الى 80 %، مشيرة الي ان جزءا كبيرا من هذه الولادات تتم بواسطة أشخاص غير مدربين.

فئات مهمشة ومظلومة
واعتبرت فريدة في ورقتها «حصر وتسجيل وتشغيل القابلات في تسجيل واقعة الميلاد» القابلات من الفئات المهمشة والمظلومة من قبل الجهات الرسمية ويتمثل ذلك في عدم وجود هيكل وظيفي يستوعبهن في سلك الخدمة المدنية حتى يتمكن من الاستقرار العملي والوظيفي والمعيشي، وقالت ان عدد القابلات حسب إحصاءات وزارة الصحة بلغن «15409» قابلة ويبلغ عدد المعينات في وزارة الصحة «3919» قابلة موزعات بنسب متفاونة بين ولايات السودان، ففي ولاية الخرطوم توجد «1648» قابلة والمسجلات في وزارة الصحة «554» قابلة، أما الشمالية بها «370» قابلة المسجلات «160» قابلة، الجزيرة بها«1581» قابلة المسجلات «908» قابلات، ولاية سنار بها «770» قابلة المسجلات «152» قابلة، وولاية النيل الازرق «627» قابلة والمسجلات «290» قابلة، ولاية النيل الأبيض بها «1170» قابلة والمسجلات «110» قابلة، ولاية شمال دارفور بها «1212» قابلة والمسجلات «72» قابلة، ولاية جنوب دارفور «1289» قابلة والمسجلات «480» قابلة، أما ولاية القضارف بها «804» قابلة والمسجلات «416» قابلة، بينما البحر الأحمر «444» قابلة والمسجلات «170» قابلة، بينما ولاية كسلا توجد بها «988» قابلة والمسجلات «107» قابلة. مشيرة الى ان ولاية نهر النيل التي بها «514» قابلة وولاية شمال كردفان بها «1997» قابلة، وولاية جنوب كردفان بها «1024» قابلة، لا توجد من هذه الولايات الثلاث قابلة مسجلة لدى وزارة الصحة، لافتة الى ان القابلة دائما ما تعتمد على ما تجود به أم المولود الذي تستقبله القابلة من مال إن قل أو كثر. ودعت الدولة لتحسين أوضاع هذه الفئة وإيجاد نظام متكامل ومتناغم بين السجل المدني ووزارة الصحة والجهات ذات الصلة عن كيفية تطوير عملية الإبلاغ للقابلات عن واقعة الميلاد عبر الأجهزة المحمولة مع مراعاة الدقة والسرية.

ضعف التسجيل والإحصاءات
أقر الدكتور زاهر عجب الصديق مدير إدارة التخطيط والمعلومات بوزارة الصحة بضعف نظام التسجيل المدني والإحصاءات الحيوية في السودان، وعن تقييم الوضع الحالي أوضح ان أداء نظام السجل المدني والإحصاءات الحيوية في كثير من المؤشرات يعتبر ضعيفا بمتوسط اداء بلغ 40% وبالنظر للمواليد نجد ان « 3.59%» فقط من المواليد يتم تسجيلهم واستشهد بدراسة التغيير في معدل تسجيل المواليد خلال العشر سنوات الماضية وفقاً للدراسات التي تمت في السنوات «200/2006/2010» حيث تتأرجح نسبة تسجيل المواليد بين الانخفاض والارتفاع، فقد بلغت في عام 200م حوالي 5.58% ثم سجلت انخفاضا لتصل الى 6.32% في العام 2006 ثم وصلت الى 3.59% في العام 2010م. مؤكدا ان المحصلة النهائية عدم تحسن الوضع إجمالاً. وتشير نسب تسجيل المواليد في مستوى الولايات لوجود تحسن في ولايات الخرطوم والجزيرة، وفي المقابل حدث تراجع لمعدلات التسجيل في معظم الولايات خاصة ولايات دارفور والنيل الأزرق والبحر الأحمر وكسلا، مشيرا الى وجود تفاوت بين ولايات السودان في معدلات تسجيل المواليد، حيث أحرزت ولاية غرب دارفور أقل نسبة تسجيل للمواليد بلغت 3.23% وأعلى نسبة كانت الولاية الشمالية حيث وصلت نسبة التسجيل الى 3.94% هذا بجانب التفاوت في نسبة التسجيل بين الريف 7.49% والحضر 5. 84% وبين الفقراء 26% والأغنياء 96% وبين الأطفال لأمهات متعلمات وأمهات غير متعلمات. حيث كانت نسبة تسجيل الأطفال لأمهات غير متعلمات 5.44% والأطفال لأمهات متعلمات تعليم ابتدائي 4.72% والأطفال لأمهات متعلمات تعليماً ثانوياً 5. 90%. وأوصى الدكتور زاهر بزيادة التغطية وتوفير مكاتب التسجيل وتوفير الأجهزة والسجلات ومعينات العمل والكادر وتأهيله بجانب التوعية الإعلامية المستمرة ومعالجة بعد مكاتب التسجيل وتقليل التكلفة المالية للوصول لمكاتب التسجيل واستخراج شهادات الميلاد.

الحقوق القانونية
وفي ذات المنحي اعتبرت د. أميمة عبد الوهاب مسؤول التشريعات والسياسات بالمجلس شهادة الميلاد محور ارتكاز لمجموعة من الحقوق بجانب قيمتها القانونية في تحديد سن الطفل في المراحل العمرية المختلفة، بجانب ارتباطها بحزم الحقوق والواجبات المختلفة وعلى رأسها تحديد سن المسؤولية الجنائية وكفالة حق العدالة الإصلاحية للأطفال الجانحين وحظر تشغيلهم في الأعمال الخطرة، مؤكدة أهمية دور الشهادة في حسم موضوعات الزواج المبكر بموجب المادة 215 من قانون الأحوال الشخصية لافتة لأهمية الشهادة عند مثول الجانح أمام وكيل النيابة في مرحلة الإبلاغ الأولي، وأوصت الدكتورة أميمة في ورقتها شهادة الميلاد «أثرها القانوني وموقعها بين الحقوق والواجبات للأطفال» بتفعيل حق الطفل في اسم وجنسية منذ المولد، مطالبة بتسهيل استخراج الأوراق الثبوتية بما فيها شهادة الميلاد وتطبيق حق المرأة في إكساب أبنائها الجنسية بالميلاد أو التجنس مع ضرورة اتخاذ تدابير تضمن حصول جميع الأطفال على شهادات ميلاد عند ولادتهم باعتبار أنها عامل أساسي في مكافحة الفقر وتلقي الخدمات الصحية والتعليمية وتطبيق نظام العدالة الجنائية للأ طفال ونظام العدالة الإصلاحية للأطفال والعمل على تحديد أفضل الطرق لتحسين أنظمة تسجيل المواليد وتعزيز القوانين وتوعية الرأي العام حول أهمية تسجيل المواليد.

التوصيات
وفي الختام أوصى الخبراء بضرورة البدء في استيعاب القابلات على مستوى الولايات على ألا يوكل أمرهن للمحليات وسد العجز في عدد القابلات في بعض المناطق، وشددوا على أهمية تعديل مناهج التدريب لتستوعب تسجيل المواليد وكيفية استخدام تكنولوجيا الاتصالات بجانب التأكيد على مجانية شهادة الميلاد وما يسبقها من إخبارية، ودعا الخبراء في ختام الورشة التشاورية لتسجيل المواليد وارتباطه بقضايا الطفولة للاستفادة من الفرص المتاحة في حملات التطعيم والرقم الوطني لرفع معدلات التسجيل فضلاً عن إكمال الربط الشبكي بين المؤسسات الصحية ومراكز التسجيل وتوفير المعينات البشرية والمادية، مؤكدين على أهمية إعداد إستراتيجية إعلامية شاملة على المستوى الاتحادي والولائي للتوعية بأهمية تسجيل المواليد ومراجعة الإطار القانوني وإدخال التعديلات اللازمة وإصدار اللوائح المكملة وأن يتضمن ذلك إلزامية التسجيل وما يترتب عليه من محفزات وجزاءات، مشيرين إلى ضرورة تنظيم حملات لساقطي القيد الوطني واستبدالها بشهادة الميلاد.

صحيفة الإنتباهة
سارة إبراهيم عباس[/JUSTIFY]