منصور الصويم

الحوت.. اتفاق ذوقي لثلاثة أجيال وإلى الأبد


[JUSTIFY]
الحوت.. اتفاق ذوقي لثلاثة أجيال وإلى الأبد

يحكى أنه ليس هناك من فنان ومغنٍّ سوداني وجد هذا الإجماع والقبول مثلما وجد الفنان الراحل محمود عبدالعزيز، الذي تمر ذكرى رحيله الأولى هذا الأيام، فمحمود، أو الحوت، أو الجان، أو حودا؛ وكلها ألقاب أطلقها محبو هذا الفنان العظيم تعبيرا عن مدى عشقهم لفنه وأدائه وشخصه، محمود ذوب الفروقات (الذوقية) بشكل عجيب وساحر، بين أكثر من ثلاثة أجيال سودانية أجمعت على التعلق بإبداعيته المتفردة، واتفقت – وراهنت – هكذا تلقائيا؛ على مدى ثلاثة عقود على أنه نجم الغناء الأول دون منازع، وهذا ما تمثل بشكل عملي مع اتساع رقعة المعجبين والمحبين إلى أن تم تشكيل (الكيان) البشري المتفرد المسمى (الحواتة)، وهو مظلة برحة جمعت كافة عشاق الحوت، بمختلف انتماءاتهم وأعمارهم وتباينهم التعليمي والثقافي.. فمحمود كان ولا يزال (عشقا) للجميع.
قال الراوي: الكثير من الكتابات في حياة محمود وبعد رحيله المفجع دارت حول السؤال التالي، متفرعة منه عدة أسئلة أخرى: “ما الذي يجذب كل هؤلاء الناس لهذا الفنان، ما الذي يجعل الشباب مجانين به إلى هذه الدرجة، على أي اتفاق انداح وتكون كيان الحواتة للدرجة التي بات فيها يقترب من التنظيم الروحي الجمالي؟”، هل الأدائية ذات الروح الصادقة هي ما يدفع (هؤلاء) للإيقان بهذا الفنان، هل يعبر محمود فعلا في طريقته في الحياة، بساطته، وتمرده، وتواضعه، وتلقائيته، وطيبته ومحبته، عن أنموذج يسعى إليه هؤلاء الشباب في زمن طغى فيه الزيف والخداع وضاعت فيه الأحلام والأمنيات؟
قال الراوي: حضور أي حفل جماهيري لمحمود، الآن عبر وسائط الإعلام الحديثة استحضارا في الزمن، أو لمن حضر ذلك حقيقة في الماضي واستحضره في الذاكرة، سيجعلك تراقب تلك الحالة الشجنية الروحانية التي تتصاعد بين جمهور الفنان محمود بمجرد حضوره إلى خشبة المسرح، أو بمجرد شروعه في غناء أولى أغنياته؛ حالة تقترب من الجذب الصوفي تسري بين هؤلاء (الحواتة)، تنعكس في وجوههم شعاع محبة وسلاما وعزلة (حقيقية) عن كل ما يدور خارج هذا المدى الإطاري الجمالي للسريان الغنائي للحوت محمود.
ختم الراوي؛ قال: مقولة (سمح الغنا في خشم محمود) التي عدلها الأستاذ الراحل محمود أبو العزائم عن المثل المعروف (سمح الغنا في خشم سيدو)، قد تفسر إلى حد ما هذا الاتفاق (الذوقي) الكبير على طريقة وأداء الحوت للأغنيات، سواء الخاصة أو تلك التي للآخرين، فالحوت (روح صوت – أداء) جمعت بهذا المعنى كل الميولات السودانية في التطريب والفن والغناء.
استدرك الراوي؛ قال: الحوت لا يموت.

[/JUSTIFY]

أساطير صغيرة – صحيفة اليوم التالي