عبد اللطيف البوني

ما الليلة عاد


[JUSTIFY]
ما الليلة عاد

إذا تركت الجنوبيين الذين زاملتهم في مختلف المراحل الدراسية فنحن بحمد الله من جيل حتى المدارس الثانوية كانت فيه قومية وتوقفت عند الجنوبيين الذين زاملتهم في دروب الحياة العملية يمكن أن أذكر منهم ثلاثة أشخاص أولهم عبد الله شول الذي كان يعمل في المركز الإسلامي الإفريقي (جامعة إفريقيا الآن) كان يسكن السلمة وله زوجتان. ومن طرائف عبد الله أنه كان يقول “إذا انفصل الجنوب أنا بطلع جنسية سودانية لأنو أمي ليست من الجنوب فهي من الجزيرة واسمها سلوى البوني”. كان هذا عندما كان الانفصال بعيدا عن الذهن ولكن للأسف وقع الانفصال ورحل عبد الله شول للجنوب والدمع بعينيه ولكن كان الأمل يحدوه في أن يكون رقما في الدولة الوليدة.
ثاني هؤلاء كون وهو مسيحي سمح الخصال كان يعمل بالجامعة الإسلامية/ كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وسكن عزابي في عدة أحياء عاصمية. وأذكر ذات مرة كانت الحرب الأهلية في الجنوب في قمة استعارها وأسماء الشهداء تملأ الوسائط الإعلامية فقلت له “ياكون ياخي ما لكم معانا؟ ما كفاية موت” فسألني “حرب دا في الشمال ولا في الجنوب؟” فقلت له “في الجنوب” . قال “طيب منو فينا مشى لأخوه؟” . فاعترفت له بسلامة منطقه . كون هذا رحل مع استقلال الجنوب وكان متفائلا بأنه سوف يصبح رقما على مستوى الدولة لأنه كان يتأبط بكالريوس من جامعة النيلين.
ثالث هؤلاء هو ود جادين الدينكاوي القح وهو يمكن اعتباره شخصية قومية على مستوى السودان لأنه كان رئيسا لنقابة سائقي الشاحنات السفرية وكان متجردا ومخلصا لعضويته وأصبح محبوبا وسط زملائه. كان يفوز بالتزكية في آخر ثلاث دورات. كان يمتلك منزلا كبيرا في أمبدة وهو يغادر إلى الجنوب كان يود بيعه ليصبح رأسماليا بثمنه في بلدته الرنك ولكنني مع أصدقاء آخرين أقنعته بأن لا يبيعه، فالأمور في الجنوب يصعب التكهن بمآلاتها وبالفعل احتفظ به وسافر ولم تنقطع المحادثات بيننا إلى ساعة كتابة هذا المقال.
طيب ياجماعة الخير كل هؤلاء الثلاثة مرشحون الآن للعودة للسودان، هذا إذا لم يكونوا بالفعل قد تحركوا شمالا فهل يعقل أن يسكنوا في معسكرات اللاجئين؟ بالطبع لا وألف لا فهؤلاء عاشوا في الشمال زمنا أضعاف الذي عاشوه في الجنوب فثلاثتهم لم يكمل عامين في الجنوب هؤلاء سوف يأتون مباشرة لمقارهم القديمة ولا يألون على شيء وسوف يحتضنهم معارفهم القدامى بشوق حتى ولو أسمتهم الدولة لاجئين وأعطتهم بطاقة بهذا الاسم الجديد ورفعت أسماءهم لوكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، لذلك فإن قرار الدولة ممثلا فيما ذكره رئيس الجمهورية في مؤتمره الصحفي الذي عقده في جوبا نهار الاثنين الأول من أمس من أن الجنوبيين الذين سوف تضطرهم الحرب للعودة للشمال ليسوا لاجئين إنما نزحوا داخل بلادهم كان قرارا موفقا.
خلاصة قولنا هنا من هذا الحكي الذي قد يبدو طويلا أنه على البلاد أن تكون مستعدة لعودة مئات الآلاف إن لم نقل مليونا وأكثر من الإخوة الجنوبيين وبعضهم إن لم نقل أغلبهم لن يبقوا في معسكرات اللجوء ولن يشكلوا عبئا رسميا على الدولة وعلى المجتمع السوداني أن يفرد جناحه ويضمهم لأنه أصبح ملاذهم الوحيد وسيفعل وبكل محبة وهذه المرة سيكون الناتج أكثر إيجابية ولنتذكر جميعا شاعرنا المجذوب (أيكون الخير في الشر انطوى؟).

(أرشيف)
[/JUSTIFY]

حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]