حوارات ولقاءات

نائب رئيس الجبهة الثورية: اتفاقية الشرق اوقفت الحرب في شرق السودان ولكنها كانت بضاعة رخيصة مغشوشة باعتها حكومة المؤتمر الوطني


الخلاف الأخير على منصب الرئاسة الذي شهدته الجبهة الثورية التي تضم الحركة الشعبية وحركات دارفور بجانب تنظيمات من الشرق، جعل مكوناتها بين مناصر لموقف جبريل إبراهيم الذي أجمعت الحركات الدارفورية على رئاسته للجبهة.. ومؤيد لمالك عقار الذي تمسك بموقعه، ومن الذين يرون صحة موقف مالك زينب كباشي عيسى رئيس مؤتمر البجا التصحيحي والجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة، نائبة رئيس الجبهة الثورية والتي اتصلت عليها آخر لحظة عبر الإنترنت لمعرفة وجهات نظرها حول الكثير من القضايا، أبرزها الوضع داخل الثورية واتفاق الشرق بجانب رؤيتها للحوار الوطني.

٭ كيف تنظرين للحوار الذي يجري الآن بالخرطوم؟
– الحوار الذي يدور الآن والذي يسمى بالوثبة ما هو إلا مسرحية هزيلة ولا تعنينا في شيء ونحن ما زلنا نتمسك بخارطة الطريق التي وضعتها الجبهة الثورية لتنظيم العملية السلمية في السودان وتنفيذ استحقاقاتها في الحوار الوطني الشامل من بناء الثقة وتهيئة المناخ للحوار ووقف العدائيات وفتح الممرات الإنسانية الآمنة وضمان المشاركة العادلة والكاملة لجميع أهل السودان في حوار جامع وشامل وقيام مؤتمر دستوري لحل جميع مشاكل السودان، كما نحتاج للمصداقية في الحوار وإلى ضمانات دولية لتلك الحوارات، فمن غير تلك الشروط سيصبح أي حوار أو اتفاقية سلام مجرد ورقة لا تساوي الحبر الذي وقع بها، ولنا مع هذا النظام تجارب كثيرة في هذا المضمار، وعليه لا سبيل للوصول إلى حوار وطني واتفاق سلام إلا عبر تلك الشروط.
٭ الحكومة ترى أنها أوفت بمتطلبات الحوار، لماذا لم تنخرطوا في العملية الحوارية رغم ذلك؟
– للأسف ما زالت حكومة المؤتمر الوطني تقول ما لا تفعل، فهي لم تعمل بناء الثقة بينها وبين المجتمع السياسي المعارض ومناطق الحروب المتضررة من آثارها ولم تقم بفتح الممرات الآمنة التي تساهم في إيصال الإغاثة والعلاج والتي تتطلبها العملية السلمية، وذلك على الرغم من التزام الجبهة الثورية بوقف العدائيات لمدة ستة أشهر رغبة منها لإبداء حسن النية والرغبة في حوار حقيقي يؤدي لوقف نزيف الدم وخلق بيئة صالحة لقيام مؤتمر دستوري جامع لمناقشة وحل كل مشاكل السودان في إطار قومي صحي وحقيقي، أما الحوار الدائر الآن فهو لا يمثل كل مكونات المجتمع السوداني بمختلف أعراقه وخصوصياته ولا يمثل طموحات أهل شرق السودان وخاصة قبائل البجا بمختلف نظاراتها وسكّان الإقليم من القبائل والجماعات الأخري، كما أنه لا يثق في من أوكلت لهم حكومة المؤتمر الوطني تنفيذ بنود اتفاقيتها الفاشلة التي حطمت آمالهم وأحلامهم المرجوة منها.
٭ لماذا تطالبون بوجود دولي طالما أنتم توافقون على الحوار الوطني الدستوري باشتراطاتكم؟
– نحن نصر على وجود الأطراف الدولية كمراقب وضامن للاتفاقيات، حيث إننا تعلمنا من الاتفاقيات السابقة والتي فشلت بما فيها اتفاقية الشرق والتي لم يتم تنفيذ مخرجاتها وذلك لعدم وجود أطراف دولية تعمل على ضمان تنفيذها وحتى لا يتنصل الطرف الآخر من التزاماته بتطبيقها.
٭ إلى أي مدى أنتم مستعدون للمشاركة في الحوار داخل السودان؟
– نحن مستعدون للمشاركة في الحوار حينما يتم تنفيذ مستحقات الحوار على أساس بنود خارطة طريق الجبهة الثورية السودانية.
٭ الكثيرون يتحدثون عن انشقاق وسط الجبهة الثورية بسبب الخلافات على منصب الرئيس؟
– لا يوجد انشقاق داخل الجبهة الثورية السودانية، كل ما هنالك هو اختلاف فقط حول رؤية وتفسير بعض فصائل الجبهة حول التعديلات الدستورية للنظام المؤسس للجبهة الثورية ونحن ننطلق في رؤيتنا من مخرجات ومقررات الاجتماع القيادي للجبهة الثورية والذي انعقد في يونيو 2015 بمدينة باريس والذي تقرر فيه بالإجماع تمديد فترة رئاسة الحركة الشعبية لعام آخر حتى يونيو 2016 على أن تقوم لجنة بتعديل بعض المواد الدستورية للجبهة ومن ضمنها تعديل قانون الرئاسة بأن تكون بالانتخاب ويحق لكل الفصائل المكونة للجبهة الثورية بالانتخاب والترشح لمنصب الرئيس.
٭ إذن فيما كان الاختلاف؟
– الجبهة الثورية لم ترفض نقل الرئاسة ولكن اختلافنا كان في رؤيتنا لكيفية نقل الرئاسة بصورة قانونية تمنح كل الأطراف حق التمتع بالحقوق والواجبات بصورة متساوية وعادلة، ونحن على قناعة تامة وإيمان قاطع بأن وضوح الرؤية وتحديد الهدف والتعامل بشفافية فيما بيننا سيقوي من جدار الثقة بين كل الفصائل، وبالتأكيد أن المنبر الموحد هو الخيار الأفضل والأمثل لحل قضايا الهامش في حالتي الحرب والسلام.
٭ كوادر حركات دارفور تتهمك بالتحيز لمالك عقار في مسألة الرئاسة، كيف تردين؟
– لم نتحيز للفريق مالك عقار لرئاسة الجبهة الثورية ولكننا تحيزنا لما نراه صحيحاً وقانونياً، وذلك حسب مخرجات الاجتماع كامل العدد للمجلس القيادي والذي انعقد في باريس في يونيو بعد فشل أطراف الحركات الدارفورية في الاتفاق للمرة الرابعة مما أدي إلى الاتفاق بالإجماع على أن تتم التعديلات الدستورية بما فيها تعديل كيفية اختيار الرئيس ليكون عن طريق الانتخاب، وذلك بعد تمديد فترة الرئاسة للفريق مالك عقار لمدة عام آخر يتم بعدها انتخاب الرئيس، ونحن كنّا مشاركين وشهوداً لتلك القرارات ولم نتحيز لأي طرف ضد طرف آخر، لأننا لم نتحدث عمن يكون رئيساً، بل تحدثنا عن صحة الإجراء من منطلق قانوني سليم.
٭ هنالك اتهامات للحركة الشعبية بأنها تسير الجبهة الثورية وفقاً لرؤيتها والبقية مجرد كمبارس؟
– الحركة الشعبية تُمارس مهامها المخولة لها بموجب لوائح وقوانين الجبهة الثورية السودانية كرئيس ولا تتغول على حقوق نواب الرئيس والذين يمثلون رؤساء الفصائل الأخرى المكونة لتنظيم الجبهة الثورية، وكل الدلائل تشير، بل توضح بصورة كاملة ودقيقة كيف يقوم نواب الرئيس بممارسة سلطاتهم في اتخاذ القرار والاعتراض حين لا يتم الاتفاق في المسائل التي يتم تدارسها، والدليل الواضح هو كيف أن هناك بعض التباين في آراء بعض النواب والتي لا تتفق مع رأي بقية النواب، أما أبلغ مثال فهو توزيع السلطات والأدوار بين النواب، حيث يتولى كل نائب لرئيس الجبهة والذي يمثل فصيلاً، إحدى مسؤوليات الجبهة الثورية ويقوم بكل المهام التي يخولها له التنظيم، أما القرارات التي تتخذها الجبهة فهي تؤخذ بالإجماع وإلا لما استمرت الجبهة تعمل بفعالية وتخرج بقرارات وخارطة طريق هي نتاج لعمل وفكر مشترك بين كل الفصائل.
٭ ما تقييمك لاتفاق الشرق الذي وقع بأريتريا؟
– لم تحقق الاتفاقية التي سميت باتفاقية سلام الشرق طموحات أبناء الشرق، ولم يتم تنفيذها بالشكل المطلوب ولم يستفد منها أهل الشرق.
٭ ولكن الحكومة السودانية تتحدث عن تنفيذ عدد من المشروعات والملفات.. ما تعليقك؟
– الملفات التي تم تنفيذها من الاتفاقية هي الملف السياسي ولم يتم بالصورة الشاملة، أيضاً لأنها اختزلته في مناصب سيادية فقط ودون صلاحيات والآن لا يوجد إلا السيد موسى محمد أحمد في منصب مساعد الرئيس، أما الملف الأمني فقد تم تسريح المقاتلين بصورة لا تليق بتاريخهم النضالي وما نالوه لا يرتقي إلى مستوى ما قدموه من تضحيات للوطن، كما تم أيضاً تعيين بعض أبناء الشرق في الشرطة والجيش والأمن ولم يتم تنفيذ بقية البنود من إتاحة الفرصة لأبناء الشرق سنوياً في القوات النظامية ومعاملتهم بتمييز إيجابي، وحتى الذين تم تعيينهم أصبحوا يعانون الآن من عدم الترقيات وعدم المساواة مع إخوانهم الآخرين من أبناء الوطن الواحد في المعاملة، أما في الملف الاقتصادي فصندوق إعمار الشرق فشل في إحداث تغيير على أرض الواقع ولا زال الوضع كما هو عليه.
٭ برأيك ما هي محاسن الاتفاقية بما أنك تحدثتِ عن إخفاقاتها؟
– من محاسن الاتفاقية الاعتراف ولأول مرة بالمشكل السياسي الموجود في شرق السودان والاعتراف بالتهميش الواقع على أهله ودخول أحد أبناء الشرق إلى القصر الجمهوري في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ السودان السياسي، ولكن في المجمل الاتفاقية ما هي إلا محاولة للتجمل لإعطاء صورة مغايرة عن التي هي موجودة على أرض الواقع الآن، ونتيجة محصلتها النهائية حتى الآن من كل الأبواب صفر.
٭ بحسب متابعتك صفي لنا الأوضاع فى شرق السودان حالياً؟
– الأوضاع الصحية والتعليمية بصورة أسوأ مما كانت عليه من قبل وزادت عمليات التهميش الاقتصادي والبيئي ومعدلات الجريمة المنظمة والإتجار بالأعضاء البشرية مع تزايد إعداد اللاجئين، إضافة إلى تهريب البشر والسلاح وخلافه من الجرائم التي اتخذت من الإقليم مرتعاً لها مع تجاهل السلطات ، بالإضافة للاستهداف الواضح لقوى خارجية لتحقيق أهداف مختلفة في المنطقة.
٭ مستقبل المنطقة كيف تنظرين إليه؟
– مستقبل المنطقة مهدد في ظل الصراعات القائمة الآن في منطقة الشرق الأفريقي والعربي والتهديد الإيراني، وكل هذه التحديات تتضح في وقت تهدد فيه المجاعة المنطقة بصورة قوية ومخيفة.
٭ ما هو المطلوب للمعالجة؟
– نرى أن الشرق يحتاج لإعادة تقييم جادة والتعامل بندية وجدية مع قضاياه وأبنائه ولا يخفى على أحد الوضع المزري الذي يعيشه أهل الشرق الآن، وهو في حقيقته جزء من الوضع المتأزم في كل أنحاء السودان، حيث إن الأرض تغلي هناك والشارع يتململ ولا أحد يضمن نتائج ما يمكن من ردة فعل، وحقيقة إن الشرق الآن يتململ فوق صفيح ساخن وعلى الآخرين الإحساس بمسؤوليتهم تجاه ما يحدث وما سيحدث، حيث إنه لا خيار ولا مخرج إلا في الاتجاه نحو المفاوضات والعمل من أجل حل شامل لكل قضايا السودان السياسية والاقتصادية والأمنية هذا أو الطوفان، ولا عذر لمن أنذر وفي يقيني إنها آخر فرصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
٭ قد يقول قائل إن شرق السودان أصبح يعيش سلاماً، لماذا تريدين إعادته للحرب مرة أخرى؟
– نعم اتفاقية الشرق رسمت وقف الحرب في مناطق شرق السودان ولكنها كانت بضاعة رخيصة مغشوشة باعتها حكومة المؤتمر الوطني لأبناء شرق السودان، والتي أضرت بالمنطقة وأهلها أكثر مما أفقدتهم الحرب وأضرت بهم، فقد كانت خدعة كبيرة جنت من ورائها الغنائم والمكاسب بتمكين الفساد وتجاهل التنمية المستدامة ومقوماتها مما أدى لتزايد الأوبئة مع انهيار المؤسسات العلاجية وفقرها وارتفاع أسعار العلاج والدواء خاصة في المناطق النائية والتي تضررت من الحرب وما زالت تشكو من وجود الألغام المهددة للمواطنين والحيوانات. أما التعليم فالكل يعلم مدى ضعف وفقر المنطقة التعليمي والذي ازدادت حدته نتيجة الفقر والعوز واحتياج الأسر لعمل الأطفال، وتلك قضية ملحة أخرى، اختصاراً لم تعمل الاتفاقية على تطوير أو حل لأزمات المنطقة، ولم تكن البلسم الذي من أجله توقفت الحرب.
٭ برأيك ما هي الخطوات المطلوبة لتنفيذ حقيقي لاتفاق الشرق؟
– الخطوات التي يجب اتباعها لتنفيذ حقيقي لاتفاقية الشرق، إعادة صياغة الاتفاقية بحيث تراعي خصوصية المنطقة، كما أنه لا بد من تضمين شروط ضمان تنفيذ الاتفاقية من رقابة دولية وإقليمية وإلزام الحكومة بتنفيذ متطلبات واستحقاقات الاتفاقية وإشراك أهل المنطقة الذين يمثلون أصحاب المصلحة الحقيقية والمتضررين من عدم تنفيذ الاتفاقية والذين وضعت الاتفاقية أساساً لحمايتهم وحماية حقوقهم ومصالحهم.
٭ هل أنت مع الحل السلمي أم الخيار العسكري، ولماذا؟
– نحن نفضل دائماً وأبداً الحلول السلمية التي تقي البلاد من أهوال وويلات الحروب والتي لا يلجأ لها إلا من لم يجد الأذن الصاغية والرغبة الصادقة في إنقاذ البلاد والمواطنين، وذلك بمعرفة أسباب المشكل وحلها حلاً جذرياً مما يفي بطموحات ورغبات أهل المنطقة، ويكون ذلك تحت بنود احترام حقوق الإنسان ومنحه الحريات الأساسية وتغير مقومات الحياة الكريمة التي تليق به، ولكن الحرب هي خيار من لا خيار له إلا بالقوة ورفع الصوت عالياً لانتزاع حقوقه، فالحقوق إن لم تمنح تنتزع.

أجراه: لؤي عبدالرحمن : اخر لحظة