الطيب مصطفى

لماذا يا وزير العدل ويا وزير الإرشاد؟!


تفاعلت بإعجاب شديد مع البيان الذي صدر من مجمع الفقه الإسلامي والذي استنكر أن تقضي وزارة العدل في أمر يمس أو يعدِّل القانون الجنائي بدون أن يستفتى المجمع حوله باعتباره المرجعية العليا للفتيا في الدولة والمجتمع فقد اتخذ مجلس الوزراء بناء على مذكرة مقدمة من وزارة العدل قراراً بتعديل القانون الجنائي بدون أن يمر الأمر على مجمع الفقه الإسلامي وذلك أمر غريب بحق، جعل منابر الجمعة تزأر وتضج اعتراضاً على ذلك التجاوز الخطير من وزارة العدل التي ينبغي أن تعمل من خلال المؤسسات المختصة في الدولة.

بقدر ما سعدت لقيام مجمع الفقه الإسلامي بالاحتجاج بل وبرفض ذلك القرار وكذلك لتجاوز المجمع، أشعر بالأسى والحزن أن ترتكب وزارة العدل تلك (الجليطة) التي لم نسمع بها إلا يوم أن صدرت في شكل قرار من مجلس الوزراء بما يعني أن الأمر دُبِّر بليل بطريقة (أم غمتي)!

على سبيل المثال لا الحصر هل كان بمقدور وزارة العدل أن تقدم مشروع قانون في شأن المواصفات والمقاييس بدون أن تستفتي تلك الهيئة المختصة في ذلك الشأن أم أن أيدي بني علمان ومن ورائهم أمريكا قد تسللت خلسة لتعبث بأقدس مقدساتنا بعيداً عن أهل الذكر والاختصاص؟!

على بني علمان الذين تعالت أصواتهم هذه الأيام وظلوا يتهكمون من العلماء ويصفونهم بعلماء السلطان وبترزية الفتوى، أن يصمتوا بعد أن رأوا ورأينا جميعاً ما يُثلِج الصدر من تفاعل للعلماء الأجلاء ممثلين بمجمع الفقه الإسلامي الذي انتفض انتصاراً لدين الأمة ولشريعتها السمحاء. أما وزارة العدل فإن عليها ألا تكرّر هذا الخطأ الفادح الذي انطوى على خروج مشين على المؤسسية وإنني أعتبر هذا الخطأ، بل الخطيئة، أكبر تجاوز ارتكبته وزارة العدل منذ أن تولى أمرها مولانا د. عوض الحسن النور الذي لا نزال نعوِّل عليه كثيراً في قيادة الإصلاح القانوني بما يقيم العدالة ويعلي من شأن المؤسسية والحكم الراشد.

الخطيئة الأخرى ارتكبتها وزارة الإرشاد والأوقاف قبل الحج في شخص وزيرها الجديد الذي جاء محملاً بأجندة غريبة ولا أقول مُريبة فقد تجاوز الوزير مجمع الفقه الإسلامي وهيئة علماء السودان وأصدر قراراً بمنع الدعوة في الميادين العامة وكان أسوأ ما في القرار أن الوزير انتصر لبعض أتباع طائفته وحزبه السياسي الذي دفع به إلى الوزارة، ناسياً أن الأمانة ومبادئ الاستقامة التي سيساءل عنها يوم الحساب تحتم عليه أن يخرج من عباءة حزبه الصغيرة إلى رحاب الوطن الكبير ومن ضيق التَّمَذْهُبِ الطائفي البغيض إلى سعة الانتماء الإسلامي العريض.

المدهش أن الوزير أبدى مقاومة عنيفة للتعديل الذي أجراه نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبد الرحمن الذي عالج الخلاف الذي نشب بعد قرار الوزير بحظر الدعوة في الميادين العامة حيث جمع نائب الرئيس عدداً من علماء مجمع الفقه الإسلامي وهيئة علماء السودان في حضور الوزير وأصدر بعد التداول بين الجميع موجهات ملزمة أُرسِلت من مكتبه لرئيس البرلمان بروف إبراهيم أحمد عمر الذي تلا تلك الموجهات في حضور الوزير وعدد من العلماء فيهم رئيس مجمع الفقه الإسلامي د. عصام البشير، وأعلن رئيس البرلمان بروف إبراهيم على رؤوس الأشهاد أن تلك الموجهات التي ألغت قرار حظر الدعوة ملزمة للوزارة ولغيرها وأن الدعوة العامة ستكون متاحة كما كانت منذ القدم بدون حجْر عليها مع بعض الإجراءآت التنظيمية التي تم الاتفاق عليها.

رغم ذلك قرأنا بعدها بعض التصريحات من الوزير يرغي فيها ويزبد ويتوعد فيها ويهدد بأنه سيتقدم باستقالته إذا أُعيد النظر في القرار، ناسياً أن ذلك المنصب لو دام لغيره لما وصل إليه وأن عليه أن يلتزم بالتوجيهات التي أصدرها نائب رئيس الجمهورية وتلاها رئيس البرلمان في حضوره وأن أمر الدعوة ينبغي أن تنعقد حوله الشورى بين المؤسسات الدعوية ولا يُنفرَد به خدمةً لأجندة حزبية وطائفية ضيقة.

إنني لأرجو من د. عصام البشير ومن د.عبد الحي يوسف أن يتحققا من أن الوزير قد سحب قراره المعيب والتزم بقرار نائب الرئيس.

السيد وزير العدل

تجدون في الصفحة (التاسعة) من هذا العدد شكوى مثيرة تكشف جانباً مما تشهده بعض مؤسسات العدالة من ممارسات يشيب لهولها الولدان!

ظللنا نطالب بفصل منصب النائب العام عن منصب وزير العدل، وتجنب ممارسات تضارب المصلحة من خلال إلغاء النيابات الخاصة التي تتيح لوكيل النيابة التمتع بامتيازات المؤسسات التي يعمل لمصلحتها مما يمكن أن يقدح في قيم الحياد والنزاهة وبالتالي في تحقق العدالة.

عندما يأتي وكيل النيابة إلى مكتبه في سيارة الشاكية والتي تقودها بنفسها كما ورد في الشكوى، وعندما وعندما وعندما… فإن العدالة ينبغي أن تجثو على ركبتيها وتنتحب وتلطم الخدود وتشق الجيوب!

أرجو أن يقرأ وزير العدل د. عوض الحسن النور الشكوى المشار إليها، ومن ثم يحقّق حولها.

الصيحة