تحقيقات وتقارير

المحاصيل الزراعية..تتعدد الجبايات والضحية المزارع


يدفع التاجرسنوياً ثلث إنتاجه للدولة، عبارة عن رسوم وضرائب وإيصالات وغيرها من أشكال التحصيل غير القانوني، كل ذلك أثر بشكل مباشر على عملية الإنتاج، وتسبب في تدني الانتاجية، وساهم بصورة فاعلة فى خروج بعض المزارعين من الموسم الزراعي، فيما هجر البعض الآخر مجال الزراعة، وتحول إلى الأعمال الهامشية، في وقت تتصاعد فيه وتيرة الاستهلاك، حيث وصل استهلاك البلاد من القمح العام الماضي مليوني طن، فيما تنتج البلاد ما لا يتجاوز( 12ـ 17%) من الاستهلاك السنوي.. ويتخوف المزارعون، خاصة في مشروع الجزيرة، من زارعة القمح والذرة والدخن لكلفته العالية، وعادة ما يلجأون لزراعة المحصولات ذات العائد المادي السريع، كزراعة الطماطم و»العجور» والخضروات.

تحصيل غير قانوني
يقول التاجر محمد عبد الرحمن بسوق محصولات أم درمان، أن سوق المحاصيل يشهد ركوداً منذ أسبوعين بسبب ارتفاع تكلفة الترحيل والضرائب والعوائد، وتحصيل رسوم غير قانونية واحتكار التجار لمحصولات محددة، وقلة المحصول الوارد من مناطق الإنتاج، ويقابل ذلك زيادة في الطلب على المنتج، الأمر الذي تسبب في الارتفاع الذي وصفه التجار بالجنوني في أسعار المحاصيل، حيث يتراوح سعر إردب القمح بين (520ـ1,20) جنيهاً، وبلغ سعر إردب الدخن من (820ـ950)جنيهاَ، وبلغ سعر إردب ذرة طابت (800ـ820) جنيهاً.

استهلاك الدواجن (90%) من القمح
فى ذات السياق قال أمين مال لجنة سوق محاصيل أمدرمان عماد محمد الحسن، إنه لا توجد مشكلة في الترحيل من منطقة الإنتاج إلى السوق، ولكن المشكلة الحقيقية تتمثل فى سداد رسوم الزكاة على مرتين من قبل المزارع، أولاها عند الحصاد، والثانية عند ترحيل المحصول، حيث يتفاجأ المزارع بأن عليه تسديد رسوم إيصالات أخرى ورسوم زكاة، موضحاً أنه يتم دفع رسوم الزكاة أثناء الترحيل، حيث يتم تحصيل ما بين (3ـ4) جوالات إذا كانت الحمولة (80) جوالاً، وزاد بقوله (لايمكن أن تكون الزكاة مرتين في الموسم) واعتبرها مخالفة شرعية .
وأرجع الحسن النقص الحاد في القمح لاستهلاك الدواجن (90%) من القمح كأعلاف، وضرب مثلاً بقوله «إذا دخلت السوق (60) عربة فتستهلك الدواجن (50) عربة منها»، إضافة إلى أن التخزين غير المرشد، وإدخال الذرة والهجين فى صناعة الخبز، من أسباب النقص الحاد.. وطالب الحسن الدولة بوقف استيراد القمح وتحويل ما يصرف على الاستيراد إلى زيادة الإنتاج والانتاجية.. واصفاً القمح السوداني بالجيد وهو خال من المواد الكيميائية .

فوضي عارمة
بينما يرى التاجر عبد المنعم أحمد بسوق المحاصيل أن الضرائب والرسوم هي أكبر عائق في انسياب المحصولات إلى السوق، وأن المزارع يسدد مبالغ وصفها بالخرافية للسلطات حتى يصل المنتج إلى السوق، وبالتالي ترتفع الأسعار.
وأضاف أن السوق في هذه الأيام يتحكم فيه السماسرة، وهم الذين يحددون الأسعار، لأن المزارعين يدفعون عمولة عالية من أجل تسويق المنتج للتجار.
وانتقد غياب الجهات الرقابية عن السوق، مما جعل السوق في فوضى عارمة -على حد تعبيره – وتوقع أحمد في ختام حديثه لـ(آخر لحظة) ارتفاع أسعار المحصولات أكثر في الأسبوعين القادمين.

الإنتاج والضرائب
وقال المزارع من محلية الدبة بالولاية الشمالية خالد إبراهيم في حديثه لـ (آخر لحظة) بلهجة حادة إن الدولة تأخذ ثلث الإنتاج عبارة عن رسوم وضرائب وعوائد وتحصيل غير قانوني من بعض البوابات، وأشار إلى أن تكلفة جوال البصل الواحد تقدر بـ(120) جنيهاً، والدفار الذي يحمل (80ـ85) جوال حتى يصل سوق المحاصيل تبلغ تكلفة الترحيل (5) آلاف جنيه، وانتقد غياب التأمين الزراعي خاصة في الولاية الشمالية، وقال إنه في العام الماضي تكبد هو شخصياً خسارة قدرها (84) ألف جنيه جراء زراعة (13) فدان بصل، لذا فهو حتى هذه اللحظة معسر.

وفى ذات السياق تحدث لـ(آخر لحظة) المزارع علاء الدين طه بقوله «الزراعة فى زمن نميري كانت رابحة مافيها خسائر، وكانت مهنة كثير من المواطنين، لعائداتها المجزية.
أما الآن فيكفي أن جوال الخيش ارتفع من (20-35) جنيهاً، معتبراً ألا فائدة ترجى من الزراعة، لافتاً الى أن الحكومة تستخدم القوات النظامية لدفع الضرائب والرسوم، لأن بعض المزارعين لا يدفعون الضرائب إلا بالقوة لعدم منطقيتها، وعزا زيادة تكلفة الترحيل إلى الإجراءات الاقتصادية الأخيرة .

اجتماعات دون مخرجات
وأكد عضو اللجنة الزراعية بالمجلس الوطني: فضل محمد الأمين أن استمرار الدولة في سياستها القاضية بعدم شراء القمح بأسعار مجزية من المزراعين، وإهمال حل مشاكلهم، واستلام القمح عن طريق الوزن بدلاً عن العبوة التجارية وهي (الجوال)، سيؤدي إلى خروج القمح من مشروع الجزيرة كما خرج القطن، ووصفها بالسياسات الظالمة، مضيفاً أن رسوم الزكاة موحدة، ولكن هنالك تحصيل غير قانوني وبدون مستندات، ويتم تحصيله في الطريق أثناء الترحيل للمنتجات الزراعية، وزاد بقوله: اجتمعنا مع وزير الدولة بوزارة المالية وناقشنا معه زيادة مدخلات الإنتاج وسعر الصرف، وتظلمات المزراعين الأخرى سوى أننا لم نصل معه إلى اتفاق.
وكان رئيس لجنة الشؤون الزراعية والحيوانية بالبرلمان عبد الله مسار، أكد في تصريحات سابقة، على التزام البنك الزراعي بشراء الذرة من المزارعين بسعر التركيز المحدد بـ(250) جنيه للجوال، وقال إن عمليات الشراء بدأت مباشرة عقب اجتماع لجنته الأسبوع الماضي مع وزارة المالية والبنك الزارعي وإدارة المخزون الاستراتيجي.

مافيا السوق والوسطاء
واتفق الخبير الاقتصادي كمال كرار مع ما ذهب إليه التجار، وزاد بقوله إن اعتماد الدولة على الضرائب بعد فقدان النفط، كان هو الحل الوحيد أمامها، وبالتالي إتجهت الدولة إلى فرض رسوم وعوائد غير قانونية بطريقة غير قانونية تضاف إلى تكلفة الإنتاج، وهي العامل الأساسي فى ارتفاع تكلفة الانتاج، وانخفاض قيمة الجنيه السودانى أمام العملات الأخرى، والمضاربات فى السوق، وارتفاع قيمة الخدمات، وأضاف: معظم المنتجات الزراعية والمعدات ملك للقطاع الخاص، والدولة لاتستطيع السيطرة عليها، وأن التمويل البنكي فوائده عالية جداً، والحكومة لا تبذل أي جهد لمحاربة مافيا الأسواق، أو امتصاص أثر الزيادة المفاجئة التي تحدث بسبب المضاربة والوسطاء، بالتالي هناك زيادة مستمرة في تكلفة الإنتاج، وتوقع كرار أن المحاصيل سوف تواصل في إرتفاع أسعارها إذا لم توقف الدولة التحصيل غير القانوني .

سياسات خاطئة
وقال الخبير محمد الناير السودان يتمتع بميزة نسبية فى كل منتجاته، وارتفاع تكلفة الإنتاج الناتج عن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة، وحمل الناير السياسيات الخاطئة مسؤولية تدني الإنتاج، بجانب فرض الرسوم والجبايات غير القانونية على المنتج من مكان الإنتاج إلى السوق، وإعتبرها من الأسباب الرئيسية فى ارتفاع تكلفة الإنتاج، إلا أن الناير عاد وقال فى حديثه لـ(آخر لحظة) وبالتالي: فإن المعالجة تكمن في إزالة الرسوم والجبايات على المستوى القومي والولائي والمحلي، وتنشيط التجارة، وتطبيق البحث العملي في عملية الإنتاج، وزيادة وسائل نقل وتطوير الصناعات، وكهربة المشاريع الزراعية التى تفتقر للري الانسيابي، وكل ذلك سوف ينعكس ايجابيا على المستهلك، وخاصة أن اقتصاد السودان به بعض التشوهات التي أثرت بشكل مباشر على الإنتاج، ومع كل هذه المعوقات نسمع شكوى الدولة الدائمة من قلة الإنتاج.

تحقيق : عماد النظيف
صحيفة آخر لحظة