تحقيقات وتقارير

الحكومة كسبت المعركة وحركات دارفور عقَّدت الموقف


كنت قد ختمت مقالي في آخر لحظة قبل شهر وتحديداً في 23 أبريل تحت عنوان مصر بريئة من القرار الأممي السيء 1591 بالآتي:
(أكثر ما يزعج هو تطور هذا التوتر الى عداء سافر، والذي سوف يؤثر كثيراً على خطوات السودان الحالية في المصالحة الداخلية والتطبيع مع العالم الخارجي، إذ سيكون السودان بين مطرقة مصر وسندان سلفاكير في دولة جنوب السودان، لإعادة إشعال الحروب والمعارك خاصة في جنوب كردفان، بدعم محسوب لنائب الحركة الشعبية عبد العزيز الحلو، الذي رفع شعار تقرير المصير لجنوب كردفان، لذلك يجب أن لا نلتفت الى أصوات معادية للسودان من الإعلام المصري لا تتعدى المائة فرد من تعداد سكان مصر، الذي يبلغ مائة مليون، وكذلك يجب أن ندرك أن مصر تعلم أن أمنها الداخلي يتأثر كثيراً بعلاقاتها مع السودان ونظامه الحالي.)
ما قلته قبل شهر حدث ولكن في موقع آخر غير جنوب كردفان، التي خصصتها في المقال وتصاعد التوتر مع مصر.. حدث في دارفور التي خمد فيها نشاط الحركات المسلحة تماماً لأكثر من عامين، الأمر الذي أدى الى تفاؤل عميق باستدامة ذلك الهدوء المفضي الى حل سلمي شامل لأزمة دارفور الممتدة أكثر من أربعة عشر عاماً.. ما حدث في الأسبوع الماضي من هجوم مزدوج متزامن من الشمال والجنوب على دارفور، يؤكد أن (كماشة) مصر ودولة الجنوب بدأت تعمل في توقيت حرج ونحن نقترب من يوليو التاريخ المحدد من أمريكا لإزالة العقوبات نهائياً عن السودان، بشروط الإيفاء بخمسة متطلبات هي:
إكمال الحوار الوطني ليكون شاملاً حسب متطلبات خارطة الطريق المؤدي لبسط الحريات والمصالحة الشاملة والمساهمة بشكل إيجابي لإنقاذ دولة الجنوب، وتسهيل عمليات الإغاثة، والمشاركة في حملات مكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر وأخيراً المساهمة في القضاء على حركة كوني اليوغندية..
على أرض الواقع فإن هذه الشروط الخمسة أو المسارات الخمسة تم التعامل فيها بإيجابية من جانب الحكومة، فيما عدا المسار الأول.. والمهم وهو الشأن الداخلي والمصالحة الوطنية الشاملة وبسط الحريات، تمهيداً للتداول السلمي للسلطة بعد الجلوس وفق خارطة الطريق، والتوصل الى إتفاق شامل كما تدعو له الشروط الأمريكية، خاصة بعد جولة محادثات غير معلنة في المانيا الأسبوع قبل الماضي بخصوص أزمة دارفور، والتي شارك فيها د. أمين حسن عمر، وحركات دارفور الموقعة على خارطة الطريق- جبريل ومناوي- أفضت جولة ألمانيا الى إعادة فتح ملف اتفاقات الدوحة للمناقشة مرة أخرى والاستماع الى رؤية الحركتين الدارفوريتين، والوصول الى شكل نهائي لاتفاقات الدوحة،علماً بأن الحكومة في وقت قريب قفلت الباب نهائياً لإعادة فتح ملف اتفاقات الدوحة واعتبارها نهائية، وفي ذلك تقدم ومرونة كبيرة في اتجاه الإيفاء بمتطلبات أمريكا في المسار الأول.. المسار الثاني الذي لم ينجز هو المساهمة الايجابية في حل أزمة دولة الجنوب المنهارة.. مسار محاربة الإرهاب والاتجار بالبشر تم الإيفاء به تماماً.. مسار تسهيل وصول الإغاثة الحكومة أبدت مرونة وموافقة للمقترح الأمريكي والمسار الأخير لمحاربة جوزيف كوني السودان غير معني به، ولا يمكن له أن يقدم دعماً لحركة جيش الرب لوجود دولة كاملة عازلة بين السودان ومواقع جيش الرب، وهي دولة جنوب السودان.
لذلك إذا نظرنا الى محصلة الهجمات الأخيرة فهي تتمثل في نصر وهزيمة في معارك ومكسب وخسارة في مواقف، في النصر والهزيمة انتصرت الحكومة عسكرياً وهزمت الفصائل المسلحة المهاجمة بعد خسائر جسيمة في الأرواح من الطرفين، وفي المكسب والخسارة كسبت الحركات المسلحة بإحياء نشاطها العسكري بصورة مفاجئة وعنيفة، أعادت الأزمة الدارفورية بعد أن همدت لأكثر من عامين، وخسرت الحكومة الموقف بإعادة أزمة دارفور الى الأضواء العالمية مرة أخرى، وتزايد معاناة مواطنيها مما سيؤدي الى تعثر الإيفاء بمتطلبات المسار الأول في الشروط الأمريكية، وبالتالي تضاؤل الأمل في الى الرفع الكامل للعقوبات الأمريكية في يوليو من هذا العام، سوف تخسر الحكومة أيضاً الموقف في الإيفاء بمتطلبات المسار الثاني بالمساهمة الإيجابية في حل أزمة جنوب السودان الداخلية، إذ يتحتم عليها الرد على نظام سلفاكير بدعم معارضته المسلحة، والتي سوف تؤدي الى مواجهة غير مباشرة مع مصر التي تدعم سلفاكير، ولها وجود عسكري كبير في دولة الجنوب.. الموقف الآن أضحى أكثر تعقيداً وصعوبة خاصة بعد إعلان الرئيس البشير ضلوع مصر ودولة جنوب السودان في الهجمات الأخيرة، وسوف يزداد تعقيداً عندما يحدث هجوم مماثل محتمل جداً في منطقة جبال النوبة، التي ينادي زعيمها المنشق عن حركة تحرير السودان عبد العزيز الحلو، وهذا ما أشرت له في مقالي قبل شهر عن مطرقة مصر وسندان دولة جنوب السوان.. أتوقع حدوث هجمات مفاجئة في جنوب كردفان وتجدد هجمات أخرى في مناطق أخرى من دارفور.
لتفويت أي احتمالات لانهيار الوضع الأمني في المنطقتين ودارفور، أقترح أن يتم الاتصال برئيس الآلية الأفريقية والدولية امبيكي، للدعوة الى اجتماع عاجل بدون قائدي قطاع الشمال -عقار وعرمان- يضم حركات دارفور، وحزب الأمة القومي بزعامة الإمام الصادق المهدي، وعبد العزيز الحلو لتنفيذ خارطة الطريق بالجلوس للتفاوض المباشر والوصول الى اتفاق شامل مع هذه الأطراف الثلاثة، وهذا الأمر إذا تم سيمهد الطريق للجلوس مع قطاع الشمال جناح عقار وعرمان، والوصول الى اتفاق معهما بعد انقضاء مهلة الشهرين، التي طلباها من امبيكي، والتي تنتهي في يوليو من هذا العام إذا تم التوصل الى اتفاق شامل في الدعوة العاجلة الأولى-الحلو وحركات دارفور- سوف يتم التوصل الى اتفاق بسهولة في الجولة الثانية مع عقار وعرمان، إذ سيبقى لهما القليل السهل في حل قضية النيل الأزرق التي لم ولن تشكل تهديداً كبيراً للأمن في السودان.

اخر لحظة


‫2 تعليقات

  1. والله كلام جميل..لكن نعمل شنو هوم جيرانا ماعايزين لينا الخير.

  2. للاسف امريكا لها سياسة ثابتة تجاه السودان لم ولن تتغير في المنظور القريب هي العصا والجزرة…امريكا لا تهتم للحريات ولا بطيخ والا كانت قطعت علاقتها مع نظام السيسي…وانظمة دكتاتورية عديده…