رأي ومقالاتمدارات

علي عثمان وحديقة الحيوان


(1) تابعت بعناية خلال ايام العيد حلقة تلفزيونية تضمنت حوارا مطولا أجراه الاعلامي القيادي الاستاذ الطاهر حسن التوم وبثته قناة (سودانية 24) مع حبيبنا الشيخ على عثمان محمد طه واسرته. ثم مررت مسرعاً متعجلاً احيانا، ومتأنيا متأملا في احيان اخرى، على بعض ردود الفعل والتعليقات التي هرع بها اصحابها الى جدران الوسائط التواصلية مستحسنين مادحين، أو شانئين قادحين، شأن السوادنة في كل أمر.

لم تدهشني، على وجه التخصيص، كثرة الأقاويل والمواويل حول ما أورده النائب الاول السابق عن ميلاده ونشأته وحياة طفولته وصباه في منزل حكومي يخص والده بحدائق الحيوان بالخرطوم، حيث كان الوالد من رؤساء العمال في تلك المؤسسة. السوادنة في سوادهم الاعظم أبناء عمال ومزارعين ورعاة، وليس هناك من حيث المبدأ ثمة بأس في ان يكون والد الشيخ على عثمان من رؤساء العمال في أي مؤسسة حكومية. المشكلة الوحيدة، او عقدة المنشار هنا ، تتمثل في مكان عمل والده وموقع منزله الحكومي، حديقة الحيوان بالذات!

(2)
المعلومة نفسها ليست جديدة، بل انها متداولة منذ زمن بعيد في دوائر الاحباب المعارضين المحترفين القدامى، ثم المعارضين الاسلاميين الجدد الذين التحقوا بقطار المعارضة بأخرة، بعد ان تاهت عليهم مسالك الانقاذ وانبهمت دروبها. إذ لما استعصى الرجل على خصومه واستشكل، وثقل أمره على كارهيه الذين يحمّلونه قسطا جسيما من مسئولية تدبير انقلاب الحركة الاسلامية وتمكين العصبة المنقذة من رقبة البلاد، لجأ بعض الذين ضاقت صدورهم من بين هؤلاء الى سلاح (حديقة الحيوانات) هذا، ينتاشون به الرجل، مع انه بكل المعايير السودانية سيفٌ ثليم. والسيف الثليم هو الذي انكسر حرفه وذهب مضاؤه.

طرق القوم طرائق قددا في تطويع هذا السلاح، فنسبوا الى الشيخ الترابي وأذاعوا عنه أنه قال عن تلميذه، الذي خرج عليه وأخرج الآخرين، بأنه (تربى على طعام الأُسود والقرود). يريدون من طرف خفي ان والده كان يلتوى بما يفترض انه تحت عهدته من أغذية الحيوانات، فيستحله لنفسه ويحيله الى بيته فيطعم منه عياله.

وانطلق هؤلاء المواتير عبر السنون، لا يلوون على شئ، يراكمون الروايات حول حرصٍ مزعوم للشيخ على عثمان على اخفاء حقيقة ميلاده وتربيته في منزل حديقة الحيوانات. وتطوع آخرون فزحموا الفضاء بالتحليلات السايكولوجية كيف ان تلك الحقيقة التي يسعى صاحبنا جاهدا لإخفائها شكلت له عقدة نفسية، وانها صارت بمثابة كعب أخيل حياته!

(3)
وكنت قد تحريت عن تلك المقولة المنسوبة الى الشيخ الترابي، الى جانب مقولة اخرى ظلت معلقة بجلبابه زمنا طويلا، وهي انه ذكر في ندوة سياسية محضورة أن فتيان الدفاع الشعبي الذين قتلوا في حرب الجنوب ليسوا شهداء وانهم (ماتوا فطائس).

وقد ثبت عندي ثبوتا قطعيا، بعد اكتمال جهد التحري والتقصي والاستيثاق، أن أيا من الروايتين لم تجر على لسان الشيخ الترابي، تغشت قبره شآبيب الرحمة، وان كليهما من وضع الوضّاعين. وضعوهما على لسان الشيخ، في حياته، ثم انطلقوا يذيعونهما بين الورى، ولسان حالهم يقول: (سيد الرايحة يفتح خشم الترابي). وكنت قد قمت بايداع الروايتين في مخزن الخزعبلات الذي أمتلكه وأُديره، والذي يضم المئات من خزعبلات السوادنة!

ليس صحيحا أن الشيخ على عثمان يبتئس من سيرة عمل والده ومسكنه في حديقة الحيوانات ويتحاشاها، ويسعى الى تغبية أثرها، وانما تكذب عليه المتكذبون.

وأجزم بذلك جزما رغم انني لم أنفذ الى خويصة قلبه. ولكن ثقتي مما أقول تنبع من حقيقة هينة ولكنها راسخة. وهي أنني شخصيا استمعت مباشرةً الى الرجل يروى بنفسه سيرة نشأته في مجمع مفتوح في اول التحاقي بالخدمة العامة في صدر الثمانينيات. ثم استمعت اليه يرويها عبر الزمان الممتد منذ العهد المايوي الغابر وحتى اللقاء التلفازي الاخير عندما تطرق طوعا الى ذات السيرة فابتدرها وحدّث بها محاوره الطاهر التوم. وكنت في كل مرة أسمعه يرويها ثم يستغرق في الابتسام والضحك! بل انني ضمن آلاف مؤلفة من السوادنة استمعنا اليه يتحدث حول الميلاد والنشأة في مسكن والده الحكومي داخل الحديقة وذكرياته مع الحيوانات في برنامج إذاعي بثته اذاعة امدرمان عام 1993.

(4)
رحم الله صديقي الراحل الدكتور عبد الماجد على بوب القائد الشيوعي الفذ. حكى لي ذات مرة ونحن جلوس في صالون منزله بمدينة سان فرانسيسكو، بحضور الحبيب الاستاذ هاشم محمد صالح، شقيق صاحبنا الصحافي الكبير فيصل محمد صالح، أنه كان على عهد الصبا زميلا للشيخ على عثمان في المدرسة التي اقيمت على ارضها لاحقا عمارة بنك البركة. ولعلها مدرسة الخرطوم شرق الأولية سابقا لو لم تندّ ذاكرتي عن الوصف. وذكر لنا ان ذلك التلميذ النحيف كانت له شخصية كاريزمية مهيبة لافتة للنظر رغم صغر السن، بحيث أنه حتى الاساتذة في تلك المدرسة كانوا يحسبون له ألف حساب. ثم أضاف بأنه في زمان كانت فيه الصلاة خلال ساعات الدراسة او العمل أمراً غير مألوف فإن التلميذ على عثمان كان يُصر ويتمسك بأداء الصلاة في تمام مواعيدها، بل انه الوحيد الذي كان يفعل ذلك في وجود كل ذلك العدد من التلاميذ والاساتذة، بل وناظر المدرسة نفسه!

ولكن عبد الماجد بوب نسيج وحده. كان معارضاً أصيلاً لنظام الإنقاذ، وخصما نبيلاً للشيخ على عثمان في زمان عزّ فيه النبل. زمان لم يعد يعرف شرف الخصومة واضحت فيه مادة الصراع السياسي وأداته اختلاق الروايات وحشوها في أفواه الناس، وترويج الذائعات، وتسويق الخزعبلات!

مصطفى عبد العزيز البطل


‫7 تعليقات

  1. اتذكر جيدا هذه المساكن الحكوميه التى تطل مباشرة على النيل الازرق فى اجمل شطآنه شأنها شأن القصر الجمهورى والقراند هوتيل وجنينة سيدى, وكنت احسد قاطنيها على الهمبريب وعلى هذه الاطلالة الرائعة مشهدا بصريا والخالدة تاريخيا حيث توقفت عندها بواخر حملة انقا ذ غردون حائرة ومحسورة بعد ان تأكد لهم ان الثوار قد اقتحموا الخرطوم وجندلوا قديسهم , لااظننى وغيرى
    ان استبدل هذا السكن البسيط بمميزاته تلك بأى قصر فى اى من مناطق الخرطوم الاخرى .

    اذكر جيدا فى ستينات او سبعينات القرن المنصرم مجىْ احد ى السيدات الاوروبيات حامله برطمانا يحتوى على رماد جثة زوجها والقتها فى النيل فى ذات المنطقة امام الفندق الكبير تنفيذا لوصية زوجها الذى كان قد ذاب وجدا وانبهارا بعبقرية وقدسىية المكان
    ابان زيارة سالفه لهما !!!!!

  2. و لازال مواظبا” على الصلاة و أودى بالسودان الى الدرك الأسفل !!!

    الا تخجلوا يا هؤلاء ؟؟؟ الا تملكون ذرة من كرامة أو تقدير لهذا الوطن ؟ الى متى تلعقون في أحذية ساداتكم وشيوخكم و الوطن ممزق و بائس و فقير يستجدي أكله من اراذل البلدان و كرامتنا منتهكة ؟؟؟؟

  3. (ليس الفتى من يقول كان أبي ولكن الفتى من يقول ها أنا ذا ) البعض يذكر للرجل بأنه كان مهندس إنفصال الجنوب والبعض يحمله التبعات التاريخية للإنفصال . النشأة البسيطة والفقيرة ليست منقصة في حق الشخص فقد ولد بعض الشخصيات التي ملأت الدنيا شهرة من رحم المعاناة وبيئة الفقر والحرمان ، مثال ألبرت إنشتاين الذي يعرض مسلسل عنه حالياً ، فقد كان والده يبيع الريش الذي يحشى به الوسائد وتساعده أمه في ذلك ، والكثير من مشاهير العالم في السياسة والرياضة والأعمال هم كذلك ويوجد في السودان رأسماليون وضعوا أسس التجارة والصناعة في البلاد وهم قد بدأوا ببيع منتجات وسلع بسيطة على الأرصفة ومنهم سياسون ماتوا وهم يسكنون منازل بالإيجار في عاصمة بلادهم . كثيرون ممن شغلوا مناصب تنفيذية في هذه الحكومة يحال بهم إلى البرلمان كمن يحال إلى التقاعد وهذا حال طه الآن . حتى الآن يتحدث كل التنفيذين عن رفع المعاناة عن كاهل المواطن وعن المشاريع التنموية وزراعة مليون فدان وحصاد مليوني فدان وأن هذا العام هو آخر العهد بالفقر والحرمان وقطوعات الأرزاق والخدمات وتمزيق فاتورة القمح والدقيق والسكر والزيت والصلصة والثوم والبرتقال ولكن الواقع يقول عكس ذلك . كان طه ممسكاً بمعظم الملفات الحيوية وكان بالإمكان إنجاز أفضل مما كان ولكن إستمرت السياسة والنهج المتبع قبل المفاصلة وبكل وقعها الثقيل على المواطن وتم ترفيع المعاناة إلى أعلى مستوياتها وتدهور الإنتاج فلم يتم إعادة أي مشروع إلى سيرته الأولى كما كان يحلو لطه أن يبشر به والإنجاز الذي تواصل ولم يتوقف هو سياسة التمكين للمقتدرين على إبتداع المزيد الضرائب والرسوم والجيابات حتى باتت الحكومة تعتمد عليها في توفير رواتب ومخصصات أولئك القابعين تحت قبة البرلمان وفيهم طه . على يد أبنائه ظل السودان بلا طموح منذ إستقلاله وإكتفى بمشروع الجزيرة والسكة حديد والموانيء البحرية والخطوط السودانية فلم تزد كل الحكومات التي تلت الإستقلال على ذلك بل فشلت فشلاً ذريعاً ليس في إضافة ما يمكن أن يقال بأنها تنمية وتطور بل في المحافظة على تلك الموروثات ، فأين هي تلك المرافق الآن ؟ ولماذا لم ينفذ طه وعوده طيلة سني حكمه بإعادتها إلى سيرتها الأولى فقد وقف على كل تلك الأطلال وهو يردد مقولته سنعيدها سيرتها الأولى !!

  4. كعادتكم تركت الأهم وخصصت مقالك كله لمكان سكن الشيخ .. بعد 28 عام من انقلاب الإنقاذ يتحدث مدبره عن بنك طعام لتوزيع الكرتة من اثرياء الأنقاذ الى من افقرتهم .. الا يستحق هذا الأنجاز والأبتكارجائزة نوبل فى الإقتصاد ؟؟؟؟؟؟ظ

  5. واين حديقة الحيوان الان ؟؟ لماذا لم يحافظو عليها؟؟؟
    نعم باعو ارضها للقذافي ولكن لماذا لم يتم انشاء حديقة اخرى في مكان آخر وافضل من الاولى ؟؟

  6. حكاية كان يصلي في المدرسة الأولية دي أنا ما دخلت رأسي لأنه في المدرسة الأولية كانت الحصص 3 حصص حصتين قبل الفطور والحصة الثالثة بعد الفطور يعني الدراسة كانت تتنهي قبل الساعة 11 وليس هناك وقت أي صلاة والعلم عند الله تعالى

  7. والغريبة يقول عن الشعب السوداني( السوادنة) وهي لفظة لا ينطقها السودانيون عند الكلام عن انفسهم.لا أدري أهي فلسفة أم ماذا؟ بالله ايها الكاتب ( المدّاح) كلمة السودانيين مالها؟ عِيبها