اقتصاد وأعمال

تحويلات المغتربين… تعزيز قضايا الهجرة أم مراجعة الرسوم


حينما استعان السودان بالبنك الدولي لإعداد دراسة خاصة لجذب تحويلات المغتربين، دعا مستر سيمور هنري مستشار الدراسات الفنية بالبنك الدولي إلى توفير البيئة التشريعية ونظم الدفع وتوفير الحماية للمغتربين والشفافية، في وقت أرجع فيه مشكلة تحويلات السودانيين بالخارج لقلة عدد المراسلين والحظر المفروض على السودان وتنامي سوق العملات السوداء.

ورغم تلك المعوقات، إلا ان كثيرين يرون ضرورة تعزيز مكاسب الهجرة لتوسيع فرص الاستثمار بتأسيس مجلس تنسيق استثمارات المغتربين وحل قضايا المغتربين بما يتوافق مع برنامج إصلاح الدولة ومراجعة الرسوم المختلفة المفروضة على المغتربين وإنفاذ الحوافز التي اقترحها الجهاز، إضافة إلى تفعيل اللجنة الوطنية لأسواق العمل.

معالجة جذرية

سبق أن طالب الأمين العام السابق كرار التهامي بإيجاد معالجة جذرية لجذب مدخرات المغتربين عبر الجهاز المصرفي، وأكد أن أقل التقديرات تشير إلى أن تحويلات المغتربين السودانيين تصل سنوياً إلى أكثر من 5 مليارات من الدولارات، كما أن الإحصاءات الدولية تقول إن عدد المهاجرين السودانيين في الخارج بلغوا 5 ملايين سوداني. وأكد أن نسبة ضئيلة منها “لم يحددها” تأتي عبر الجهاز المصرفي وما تبقى عبر السوق الموازي.

اقتصاد غير رسمي

قال الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان، إن المشكلة لم تكن في كيفية جذب أموال المغتربين للاقتصاد السوداني، لأنها فعلياً جزء من الاقتصاد وهي التي تمول معظم الواردات، لأنها ببساطة الجهة الأساس التي تمول السوق الموازي. ويرى الفاتح أن مشكلة الاقتصاد السوداني تتمثل في أنه اقتصاد غير رسمي بسبب سياسات الحكومة التي تعلن سعراً رسمياً للجنيه مقابل الدولار، وهي لا تلتزم به، ولذلك يبقى السوق الموازي هو الملاذ لكل من يرغب في الاستيراد والصادر أو السفر للخارج أو لتحويل أمواله للسودان.

واعتبر الحل يتطلب تحرير الجنيه، بينما تحريره يتطلب توفر نقد أجنبي يكفي البلاد لستة أشهر على الأقل لدى بنك السودان، وبما أن ذلك غير متوفر، فإن الحل سيكون صعباً.

تحويلات نقدية

خبراء اقتصاد يقولون إن التحويلات النقدية للمغتربين يمكن أن تعزز التصنيف الائتماني السيادي للبلد المتلقي بشكل كبير، وبالتالي تخفض تكاليف الاقتراض وتطيل أجل استحقاق الدين. لكنهم يطالبون بتطبيق سياسات تشجع استثمارات المغتربين، من تسهيل الإجراءات التجارية وتشجيع برامج ريادة الأعمال، وتوجيه حوافز للاستثمار في الولايات وتشجيع الاستثمار في القطاع المالي والاستثمار والمنح في المشاريع المجتمعية ونشر الوعي لدى المغتربين حول الفرص المتاحة. ولكن قد تتعدى أهمية المغترب من أن يكون مورداً للعملة الصعبة، إلى أن يكون مصدراً للاستثمار، مع ضرورة الاعتراف بقدرة المغتربين للعب دور في نقل الموارد التمويلية الأخرى مثل الاستثمار المباشر، بالإضافة إلى المعارف وكسب العقول والمهارات والشبكات المهنية.

استعانة مطلوبة

ويرة الاقتصادي إبراهيم الزين ضرورة الاستعانة بمؤسسات مالية دولية لمتابعته حركة الأموال داخل الاقتصاد السوداني وقراءة ما إذا كان هنالك مساهمات رأسمالية تأتي من الخارج تسهم في قراءة جدولة الديون أو إعفائها كلياً أو جزئيًا.

وفشلت محاولات السودان في جذب مدخرات المغتربين وتحويلاتهم الى الداخل رغم الحوافز التي قدمها بنك السودان المركزي خلال العام الماضي تمثلت في استلام المغترب تحاويله في المصارف بالعملة التي حولت بها، وإقرار بنك السودان مؤخراً سياسة الحافز للمغتربين.

تشجيعات للجذب

وظلت الحكومة، ومنذ انفصال دولة جنوب السودان ترى في تحويلات المغتربين حلاً لبعض المشكلات، باعتبار أن عجز النقد الأجنبي المطلوب لاستيراد الحاجيات الضرورية لا يزيد عن 10 مليارات دولار سنوياً، وظلت سنوياً تصدر قائمة من التشجيعات لتجذب بها التحويلات عبر منافذ البنوك لتدخل إلى المنظومة المصرفية.

وكان بنك السودان المركزي، قد أصدر قراراً قبل عامين الى البنوك السودانية بشأن تحويلات المغتربين بتسليم التحويلات إلى أصحابها بالعملة الحرة، ولكن البنوك السودانية تحسب العملات الصعبة لتحويلات المغتربين بالسعر الرسمي الذي يحدده بنك السودان.

مورد كبير

وكثيراً ما ترى الحكومة أن عائدات السودانيين العاملين في الخارج يمكن أن توفر مورداً كبيراً للخزينة العامة من العملات الصعبة، خاصة وأن أقل التقديرات تشير إلى أن تحويلات المغتربين السودانيين تصل سنويًا إلى ما بين 4 إلى 5 مليارات من الدولارات. إلا أن بعض المحللين يرون أن القضية لم تكن قضية تحويلات وسياسات بنك مركزي بل أصبحت قضية سيادية تثير اهتمام رئاسة الجمهورية.

تراجع أهمية

ووفقاً لتقرير صادر عن جهاز تنظيم شؤون المغتربين يقول إن فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ظلت تحويلات السودانيين العاملين بالخارج تشكل حوالي 30% من إجمالي موارد النقد الأجنبي بالبلاد، وقد تراجعت الأهمية النسبية لتحويلات السودانيين العاملين بالخارج بعد اكتشاف وتصدير البترول في عام 1999م، إذ احتلت المركز الثالث في قائمة مصادر النقد الأجنبي بالبلاد بعد مصادر البترول وتدفقات الاستثمارات الأجنبية. ولكن بعد أنفصال دولة جنوب السودان وخروج جزء كبير من صادرات البترول بدأت الحكومة في البحث عن موارد المغتربين في توفير موارد النقد الأجنبي واستعادة التوازن الخارجي من خلال معالجة الاختلال في ميزان المدفوعات وذلك عن طريق التحفيز والتشجيع.

الخرطوم: عاصم إسماعيل
صحيفة الصيحة.


‫2 تعليقات

  1. المشكلة مبتدأها ومنتهاها أزمة ثقة ليس بين المغربين والحكومة فقط بل بين عموم الشعب والحكومة ؟؟؟ وأزمة الثقة تحتاج وقتاً وجهدا وصدقاً في التعامل، ولا يمكن إزالتها بمزيد من محاولات الخداع، أو بمزيد من الغموض في الحوافز التي يسمع بها الناس ولا يعرفو عنها شيئاً … وفي النهاية أزمة الصدق والضمير قائمة حتى زوال الحاكمين الحاليين.

  2. على مدى العشرين سنة الماضية لم تكن هناك قرارات ثابتة ولا حوافز إلا في فترات متقطعة تمثلت في إعفاءات وتوزيع قطع سكنية إستحوزت عليها فئات معينة ، أما الحقبة التي كانت التحويلات فيها تشكل نسبة 30% من موارد النقد الأجنبي فقد كان ذلك بسبب الضرائب الباهظة التي كانت مفروضة على المغتربين بغير حساب إضافة إلى التحويل الإلزامي إضافة إلى الرسوم المتنوعة وكلها كانت إجبارية ومرتبط بها كل إجراءات الجواز في سفارة السودان وسودان السفارة !! ولم تكن بسبب حوافز أو تسهيلات أو حتى خدمات إدارية ميسرة للمغترب !. وقد ظلت الحكومة تتحدث عن جذب التحويلات والحوافز دون أن تنفذ شيئاً منها كما عقد جهاز المغتربين عدة مؤتمرات دعا إليها وزراء ومسئولين من دول أخرى بزعم الإستفادة من تجارب الآخرين إلا أنه وحتى هذه اللحظة لم تتخذ الحكومة أي خطوة سوى الكلام فقط عن الحوافز دون توضيح وبدء إجراءات الحصول عليها ، كما أن فشل الحكومة في محاربة السوق الأسود وتجارة العملة يجعل المغترب يستمر في التعامل مع الأسهل وخاصة مع شح السيولة وأزمة المواصلات والبنزين وصعوبة الحركة لأسرة بسيطة للوصول إلى البنوك . ما زالت التصريحات تفتقد للمصداقية ولاتوجد خطط مدروسة تضمن إستمرارية الخدمة وعدم تعثرها من البداية . نتحسر كثيراً على سلوك الحكومة تجاه المغتربين وتفويت فرصة كبيرة لمورد ضخم للنقد الأجنبي للبلاد بسبب نزوة بعض المنتفعين من الأوضاع المتأزمة والمستفيدين من مصائب البلاد فقد أشرنا كثيراً للدول التي إستفادت من تحويلات عمالتها فرغم الأزمات الطاحنة فإن دولة مثل باكستان تعتمد كلياً على تحويلات العمال كمورد للنقد الأجنبي وتعتني الفلبين بالعمال في الخارج عناية فائقة تتضمن زيارات فرق طبية وخدمية لعمالها وتطبيق نظام الضمان الإجتماعي وتسوية معاشات التقاعد كل ذلك مقابل التحويلات فقط وليست ضرائب ورسوم وجبايات قسرية ، علماً بأن هذه الدول لا تسمح مطلقاً بإدخال سيارات ولا تتحدث عن عفش مستعمل تقيم له الحكومة الدنيا بأنها أعطت تسهيلات غير مسبوقة لإدخاله البلاد !!! في العام 2016م بلغت تحويلات العمال خاصة من منطقة الخليج ذروتها فقد تلقت الهند 71 مليار دولار منها 31 مليار من منطقة الخليج التي يتواجد بها أكثر من خمسة ملايين عامل ! كما تجاوزت تحويلات المصريين دخل قناة السويس . ملاحظات مندوب البنك الدولي ما زالت موجودة ولم تعمل الحكومة على تفاديها وفي نفس الوقت تتمنى تدفق التحويلات (تلك إذن قسمة ضيزى).