منوعات

برقيات كادت أن تمنع الحرب العالمية الأولى.. تعرف عليها


عاشت القارة الأوروبية بين عامي 1871 و1914على وقع ما يلقبه المؤرخون بالفترة الرائعة (Belle Époque). فما بين نهاية الحرب الفرنسية البروسية سنة 1871 واندلاع الحرب العالمية الأولى كانت أوروبا على موعد مع فترة سلم تميزت بالازدهار الثقافي والتطور التكنولوجي والعلمي والتوسع الاستعماري، وهي عوامل ساهمت بشكل مباشر في تقدم اقتصادات المنطقة بشكل يلفت الانتباه.

وطيلة هذه الفترة والتي امتدت لأكثر من أربعة قرون، عملت القوانين والمؤتمرات الدولية على فض مختلف النزاعات بين الدول بطرق سلمية لتساهم بذلك في الحفاظ على السلام العالمي وتجنب خيار الحرب.
وفي الأثناء، عرفت الفترة الرائعة نهايتها خلال صيف سنة 1914 بعد مضي شهر واحد عن حادثة اغتيال ولي عهد النمسا فرانسوا فرديناند (Archduke Franz Ferdinand) وزوجته صوفي، فيما عرف بحادثة سراييفو، حيث لم تتردد إمبراطورية النمسا المجر في إعلان الحرب على صربيا عقب فشل المفاوضات بين الطرفين لتتدخل روسيا لصالح الصرب، وهو ما أدى لتفعيل سياسة التحالفات ليتحول هذا النزاع إلى حرب عالمية أودت بحياة الملايين.

في غضون ذلك، شهدت الأيام القليلة، التي سبقت تحول النزاع النمساوي الصربي إلى حرب عالمية، مساعي دبلوماسية حثيثة بين اثنين من كبار قادة أوروبا، لتجنب الأسوأ حيث استغل القيصر الألماني فيلهلم الثاني (Wilhelm II) والقيصر الروسي نيقولا الثاني (Nicholas II) علاقة القرابة التي كانت تربطهما، والتي ربطتهما أيضا بملك إنجلترا جورج الخامس لفض النزاع ووقف التعبئة العامة وسحب القوات من الحدود.
ما بين يومي التاسع والعشرين من شهر تموز/يوليو والأول من شهر آب/أغسطس سنة 1914، تبادل الإمبراطوران جملة من البرقيات والتي عرفت لاحقا ببرقيات ويلي ونيكي (ويلي نسبة لإمبراطور ألمانيا فيلهلم الثاني ونيكي نسبة لنيقولا الثاني إمبراطور روسيا)، ومن خلالها حاول الطرفان تهدئة الوضع وتجنب خيار الحرب والذي قد يتسبب بما لا تحمد عقباه.

وأرسل القيصر الروسي نيقولا الثاني أول برقية لقريبه فيلهلم الثاني يوم التاسع والعشرين من شهر تموز/يوليو سنة 1914. أكد من خلالها الحاكم الروسي تعرضه لجملة من الضغوطات الداخلية والتي ستقوده عما قريب إلى إعلان الحرب.

وطلب القيصر الروسي من نظيره الألماني باسم صلة القرابة بينهما وصداقتهما القديمة، الضغط على النمسا لوقف تدخلها ضد صربيا وعدم جرّ المنطقة نحو الحرب.

وتزامنا مع ذلك، ردّ القيصر الألماني على قريبه الروسي بضرورة معاقبة صربيا على حادثة اغتيال ولي عهد النمسا، مؤكدا أنها جريمة لا تغفر فيما حذّر الحاكم الروسي نيقولا الثاني برده على البرقية الألمان من أن بلاده ستتدخل للقيام بواجبها وحماية الشعوب السلافية.

طيلة فترة تبادل البرقيات، حافظ كل من فيلهلم الثاني ونيقولا الثاني على علاقة طيبة، واتجه القيصر الروسي لوقف التعبئة العامة ببلاده لفترة وجيزة بناء على طلب ألماني قبل أن يتراجع عن ذلك بعد حوالي يومين عقب ضغوطات من وزير الخارجية الروسي سيرغي سازونوف (Sergey Sazonov).

وخلال نفس الفترة، قدّم القيصر الروسي نيقولا الثاني لنظيره الألماني عرضا كاد أن ينقذ العالم من أهوال الحرب العالمية الأولى.

وبموجب هذا العرض دعا إمبراطور روسيا قريبه الألماني فيلهلم الثاني إلى نقل المسألة النمساوية الصربية إلى المحكمة الدائمة للتحكيم بلاهاي (Permanent Court of Arbitration) لفضّها حسب القانون الدولي.

وفي الأثناء، تجاهل الجانب الألماني هذا العرض لتبقى الأزمة قائمة، ممهدة بذلك الطريق لتطور النزاع وتفعيل سياسة التحالفات.
وفي آخر برقية، رفض الإمبراطور الألماني قبول أي مقترح روسي جديد، مؤكدا أن تواصل المفاوضات مرهون بقيام روسيا بسحب جميع قواتها المتكدسة على الحدود النمساوية.

فيما شهدت الساعات التالية إعلان ألمانيا الحرب على روسيا ليعرف العالم حربا دموية أودت بحياة الملايين وتسببت بزوال إمبراطوريات.

العربية نت