تحقيقات وتقارير

تجنيد الأطفال.. تسديد فواتير الكبار


تَورّط نحو 19 ألف طفل وطفلة في الصراع الذي شهدته دولة جنوب السودان منذ العام 2013 بين الجماعات المُسلّحة، ويُشارك هؤلاء الأطفال في القتال أو يقومون بتنفيذ مهام مُختلفة مثل إعداد الطعام وجمع الحطب ونقل الرسائل بين الأطراف المُختلفة، وأحيانًا يُستخدمون لأغراضٍ جنسية.

وتقول صحيفة “ميل اند قارديان” البريطانية، إنّ ماري التي اختطفتها جماعة مُسلّحة عندما كان عمرها 12 عاماً، مرّت بتجربةٍ صعبةٍ لحظة الاختطاف، حيث أجهشت بالبكاء، لكن العناصر المُسلّحة هدّدوها بالقتل إن لم تتوقّف، وقضت 3 أعوام في معسكر المُتمرِّدين، مرّت خلالها بلحظات خوف من التعرُّض للضرب الوحشي أو من هجمات الأعداء، الذين يشنون هجمات مُستمرة، لكنها في النهاية تمكّنت من الفرار، وتقول الصحيفة إنّ من أبرز الأمور التي تسبب قلقاً مُستمراً لهؤلاء الأطفال هي أنّهم يخشون أن تعثر عليهم الجماعات المُسلّحة وتُعيد تجنيدهم، ولا تنتهي المُشكلة بالفرار أو الحُصُول على الحرية، إذ يُواجه الأطفال مُعاناةً كبيرةً في العيش بأمانٍ بعيداً عن الصراع، يُضاف إلى ذلك أنّ البلاد تُعاني نقصاً حاداً في المواد الغذائية ودُمِّرت البنية التحتية بفعل الحرب، كما يبدأون تحدياً جديداً في البحث عن ذويهم الذين شردوا!

*استغلال وإرهاب

وتقول ماري إن أصعب الأمور هي تذكر صوت طلقات الرصاص التى كانت تطلق بدون توقف، وأضافت: كلما أتذكّرها لا أستطيع مقاومة البكاء وكلما رأيت جندياً يحمل بندقية، أتذكّر كل ما حدث وينتابني شعورٌ بالخوف الشديد، والآن بدأت ماري حياة جديدة وتذهب إلى المدرسة الابتدائية، مثل كَثيرٍ من الأطفال الذين تَدعمهم منظمة “اليونسيف” من خلال برنامجها لإعادة الإدماج، وهو برنامج أطلقته المنظمة لمُساعدة المُتضرِّرين من الحروب في الحصول على مصدر رزق أو تدريب مهني وإعادة التأهيل، لكن الذكريات تبقى لتراودهم كل يوم.

وخلال عام 2018؛ ضمنت “اليونسيف” الحرية لـ 955 طفلاً، ومن المتوقع أن تتمكّن من إطلاق سراح عددٍ أكبر من الأطفال خلال العام الجاري، وتقوم بإجراء الكشف الطبي على الأطفال المُحرّرين وتمنحهم دَعماً نفسيّاً كجزءٍ من برنامج إعادة الإدماج الذي تُديره المُنظّمة، كما تساعدهم في العُثُور على أُسرهم.

وتقول الصحيفة: يتخيّل مُعظم الناس طفلاً يحمل بندقية كلما سمعوا عن وجود أطفالٍ في صفوف الجماعات المُسلّحة، لكن الواقع مُختلفٌ للغاية، لأنه ليس بالضرورة أن يقوم كل الأطفال بدور القتال، ومثال لذلك حالة ماري، إذ كانت تُجبر عن جمع الحطب والماء من أجل القوات، كما درّبوها على استخدام السَّلاح، لكن لم يُسلِّموها سلاحاً.

*أحلامٌ داميةٌ

وتقول مارى إنّ العناصر المُسلّحة كانوا يتعاملون مع الأطفال بقسوةٍ شديدةٍ، ويتعمّدون ضربهم بطريقةٍ وحشيةٍ، ثُمّ يجبرونهم على المشي بالركبة والمرفقين حتى ينسلخ الجلد.. وحتى بعدما تمكّنت من الفرار؛ تشعر “ماري” بالخوف من إمكانية أن يعثروا عليها، وأضافت: “حتى الآن أواجه صعوبات في تعلم القراءة، ونسيت طريقة الكتابة، لكن المُستوى يتحسّن”!

من الأساطير التي يُصدِّقها أغلبية الناس أنّ جميع الأطفال المُنضمين لجماعاتٍ مُسلّحةٍ تَمّ اختطافهم أو أُجبروا على الانضمام، لكن في الواقع أنّ هناك بعض الأطفال مثل الفتاة إيثار هم من يقررون الانضمام إلى هذه الجماعات، إذ اختارت إيثار ترك المدرسة والمشاركة في القتال.

وتحمل إيثار ذات الذكريات التي تحملها ماري وما مرّت به بكثيرٍ من الخوف من صوت طلقات الرصاص أو من أن تصيبها طَلقةٌ طَائشةٌ تنهي حياتها، وكان يشتد بها الخوف كلّما رأت قتيلاً،

وتقول إيثار: كنت أرغب في امتلاك بندقية وأن أصبح ضابطة، لذا قرّرت الانضمام، كنت أشعر بأن لديّ هدفاً وأمراً مُهمّاً أقوم به كل يوم، أردت أن أصبح ذات سُلطة وعمل مثل هؤلاء الجنود!

*إعادة تأهيل

ويعتبر غوستين أوغاستينو كريمة شاهداً على صعوبة إعادة تأهيل هؤلاء الأطفال، إذ يدير مركزاً للتأهيل المهني في مدينة يامبيو، حيث يتم تدريب الأطفال الذين كانوا جنوداً في صفوف الجماعات المُتنازعة على تعلم المهن مثل النجارة والخياطة وأعمال البناء، وقال للصحيفة: “في البداية يكون الأمر صعباً للغاية، يظهرون سلوكاً عدائياً، حتى عندما نشرح لهم ما يجب عليهم فعله لا يظهرون أي اهتمام بالتعلم”.

وقالت “روز” (17 عاماً)، التي اُختطفت من قِبل إحدى الجماعات المُسلّحة، إنّها تعرّضت للتعذيب كانوا يُعاملوننا بطريقةٍ سيئةٍ، يربطون أيادينا بقسوةٍ، ثم يعطوننا أشياءً لحملها، في بعض الأحيان كانوا يجبروننا على الجري بها، وإذا أبطأنا تفاجأنا العصي مُتلاحقة على أجسادنا، في إحدى المرات سقطت، فتلقّيت ضرباً مُبرحاً حتى شعرت بأنني مت! وأضافت روزا: تعرّضت لاعتداءات جنسية تحت تهديد السلاح، لكني مرضت بشدة فقاموا بإطلاق سراحي!

وتعهد جنوب السودان بوقف تجنيد الأطفال واستخدامهم في الصراع المُسلّح، حيث تسعى البلاد لإنهاء أكثر من خمس سنوات من الحرب.

وقال كول مانيانج جوك، وزير الدفاع وشؤون قدامى المُحاربين، إنّ إدارة حماية الطفل بالجيش شَاركت بنشاط قادة فرقها في الميدان في كيفية تسريح الأطفال من قُوّاتهم، وأضاف أنّ الحكومة أمرت جميع جنرالات الجيش بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة ذات الصلة لضمان عدم تَمكُّن الأطفال من دُخُول الجيش.

في العام 2018، أصبح جنوب السودان البلد رقم 168 للاكتتاب في مُعاهدة الأمم المتحدة التي تعهّدت بإنهاء تجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاعات المُسلّحة.

من جانبها، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) مُؤخّراً، عن إطلاق سراح أكثر من 3100 جندي من الأطفال من قبل الجماعات المُسلّحة في جنوب السودان.

الخرطوم: إنصاف العوض
صحيفة الصيحة.