عبد اللطيف البوني

خمسون عاما من العزلة (سيناريو)


(1 )

خرج المستعمر من بلاد السودان بعد أن اكمل لها هياكل الدولة واعطاها رسما فاتخذت علما ونشيدا وطنيا ومكانا بين الامم أما الاتفاق الضمني وغير المعلن بين المستعمر الخارج والوطني الداخل هو أن تستمر الدولة في طريق التبعية التي رسمها المستعمر ولا تحاول أن تلعب بديلها فتسعى للخروج من السيطرة الغربية على اساس أن الزمان زمان الغرب وأن السيطرة التي دانت له منذ تفجر الثورة الصناعية يجب أن تستمر فإن كان هناك ثمة تغيير يجب أن يكون في شكل التبعية وليس في اصلها فالتجارة غير المتكافئة ثم تجارة الرق ثم الاستعمار ثم التبعية كلها مسميات مختلفة لعلاقة واحد وهي السيطرة الغربية وخضوع الآخر.

(2 )

الحكومة الديمقراطية الاولى في السودان ثم حكومة عبود وما اعقبها من ثورة شعبية ثم حكومة ديمقراطية ثانية كلها سارت بالبلاد في طريق السيطرة المرسوم والمشار اليه اعلاه ولكن بثورة مايو (ان شئت قل انقلاب) 1969 حاول السودان الخروج من علاقة التبعية فاتجه يسارا امميا ثم خلطه بيسار قومي ثم يمين اسلامي ثم كانت الديمقراطية الثالثة متجاذبة بين التيارات الثلاثة الي أن جاءت الانقاذ فأصبحت الغلبة للتيار الإسلامي وبالمقابل حمل الغرب كرباجه وظل يلهب في ظهر السودان لكي يرجعه إلى التبعية فكان وقع الكرباج اليما ويزداد الما مع الايام لاسيما وان العالم قد فقد

التيار اليساري الاممي الذي كان يتيح هامشا للمناورة فاصبح جسد السودان عاريا وهو يستقبل سوط (العنسيت) فتسمع جاك وتسمع جو وتسمع جو وتسمع جاك وتبت كفاي فوصل التدويخ قمته في ديسمبر 2019 حيث اندلعت الثورة الشعبية الاخيرة.

(3 )

نتيجة غفلة او ربما نتيجة تكتيك ذكي نهضت من ركام الثورة مسلة خرصانية مكتوب عليها بحبر سري اطردوا ثالوث الثورة الإسلامي واليسار بشقيه الأممي والإقليمية وارجعوا الي عهد التبعية ارجعوا إلى ما قبل مايو 1969 ارجعوا الي حضن الغرب وبطلوا كلام فارغ . فكان رفع العقوبات والخروج من القائمة الامريكية اللعينة ثم التطبيع ثم روشتة صندوق النقد الدولي فتم رفع الدعم ثم تعويم الجنيه وفي الطريق تغيير المناهج والدولة المدنية ما لله لله وما لقيصر لقيصر (وشل شل كب لى جالون ما بكب ليك والطلمبة هديك امشي بي كرعيك) مع (وهنا حلقة شيخ يرجحن ويضرب النوبة ضربا فتئن وترن وهي ترفض هجيرا او تجن الله الله ) وجكسا في خط ستة .سودان قديم تابع يدخن المالبورو ويشرب الجون ووكر وياكل من الما كدولاند وينتج المواد الخام من قطن و سكر ورز واسمنت فالادوار مرسومة والارزاق مقمسة (اكان كهربة قطع جنتير في )

(4 )

لقد انتهى هامش المناورة وانتهت لعبة الانعتاق من التبعية فالسودان لم يعد في جسده مكان لكرباج جديد لقد نفد القطران الذي كان يتمسح به وذاب الشحم وكمل اللحم واصبح العظم عاريا وهشا وقابلا للكسر لذلك كان لابد من الرجوع لنادي التبعية والدخول فيه تووووش فالجوع كافر واليأس قاتل . الحكاية صفرجت

The game is over)) اللعبة انتهت والحكم صفر . خمسون عاما من المقاومة كفاية فالرجوع إلى قفص التبعية اصبح واقعا، فالتعازي للذين امضوا عمرهم في ظل المقاومة مع التمنيات للاجيال القادمة بحياة مختلفة

واخيرا قال الشيخ العبيد ود بدر (الما بفهم بالتلاويح لا بريح ولابستريح).

عبد اللطيف البوني – صحيفة السوداني