ضياء الدين بلال

حبر على ورق (وخلاص)!

[JUSTIFY]
حبر على ورق (وخلاص)!

الموقف كان لا يخلو من الطرافة وبعض العبث.

كان ذلك في أيام التوالي وتسجيل الأحزاب.
طبيب نحيف على رأسه بياض على غباش، يحمل حقيبة سوداء، تنوء بحمل كثير من الأوراق.
الحقيبة كانت قابلة للانفجار!.
إصبع السبابة كان قريباً من نظارته الطبية، غير المستقرة على الأنف.
في كل مرة يعدل من وضعها…
دلف الدكتور إلى صحيفة (الرأي العام).. كان يبحث عن رئيس القسم السياسي.
حينئذ كنت أشغل ذلك الموقع على مقعد بثلاثة أرجل.
الدكتور جاء لتوه من مكتب مسجل الأحزاب، في نهار قائظ.
ذكر غرض الزيارة. جاء بعد التعريف وتقديم السيرة الذاتية.
الزائر طبيب متخصص في أمراض المناطق الحارة، وأظن أن له تخصصاً دقيقاً في الملاريا.
غرض الزيارة التعريف بحزبه الجديد، الذي أطلق عليه اسم حزب الشفاء.
كل برنامج الحزب يقوم على مشروع علاج الملاريا.
في تصور الرجل، أن الملاريا سبب أساسي لكل أزمات السودان، الاقتصادية والاجتماعية، وما يترتب عليها من أزمات سياسية وأمنية!.
نقاش وجدال وإحصائيات وأرقام؛ استمر لأكثر من ساعة حول الحزب وبرامجه والعضوية المستهدفة.
المهم أن الرجل من ثقب تخصصه الضيق، كان ينظر لكل أزمات السودان!.
أنثى الأنوفيلس، هي العدو الأول، لا التضخم، ولا الحروب!.
أنثى الأنوفيلس أخطر على السودان من الإمبريالية العالمية، ومن عمليات الثعلب الأسود، والأمطار الغزيرة!.
لا أعرف إلى ماذا انتهى ذلك الحزب، وأين رئيسه الآن؟!.
الغريب أنني لم أجدهما ضمن الأحزاب الـ83 التي اجتمعت بقاعة الصداقة في ذلك اليوم!.

لا أزال أستخفُّ بمحاولات كثير من السياسيين، تقديم تصورات قانونية، لتجاوز الأزمات السياسية.
كنت أقول إنهم ينظرون من ثقب قريب، من ذلك الذي كان ينظر منه صاحب حزب الشفاء!.
رئيس حزب الشفاء، مقتنع بأن الحل في تجفيف البرك والمستنقعات ومحاصرة أنثى الأنوفيلس.
وأهل القانون من السياسيين، يرون أن كل أزمات السودان، ستحل في وجود دستور محكم وقوانين محددة.
حبر على ورق (وخلاص)!.

معظم الجدل السياسي في التاريخ المعاصر، كان منحصراً في القوانين والدساتير.
الحديث عن الدستور الإسلامي، عجَّل بانقلاب الشيوعيين في مايو69.
الرئيس جعفر نميري، حينما تكاثرت عليه الأزمات، اختار مقاومتها عبر تطبيق القوانين الحدية، وبخرات شيوخ مايرنو ونيالا.
الموقف من قوانين سبتمبر 83، كان مركز النزاع في الديمقراطية الثالثة، من البداية إلى النهاية!.
سعي الترابي لتعديل الدستور في 1999، عجَّل بحدوث انقسام الإسلاميين.
غلبة وجود القانونيين في الأحزاب السياسية، هو الذي يعلي من أهمية وقيمة كل ما هو متعلق بالقانون والدستور.
وعلى الضفة الغربية للنيل، بالقرب من المقرن، وضعت لافتة حديدية مكتوب عليها:
(ممنوع بتاتاً الاستحمام في هذا المكان بحكم القانون).
لافتة المنع أصبحت شماعة لملابس متجاوزي أوامر القانون (وديك يا جلبغة)!.
-2-
صديقنا مصطفى عبد العزيز البطل، في حالة اشتباك شرس، مع دكتور حيدر إبراهيم علي.
حرب قلمية، أصبحت مفتوحة على استخدام كل الأسلحة، والرجلان شديدا المراس والبأس.
لا تهمني هذه المعركة، إلا بقدر ما تنتج من تحليلات وملاحظات مفيدة، سعيتُ لانتقائها من بين حجارة الشتائم والإساءات.
رغم قناعتي أن دكتور حيدر، هو من تجنى على البطل، والأخير ردَّ الصاع بثلاثة وأكثر؛ إلا أن الأول عبر عن فكرة كنت أبحث عنها منذ فترة!.
وجدتها وجدتها…

مركز أزمات السودان ليس مستنقعات الباعوض، ولا نصوص القوانين وأحكام الدساتير الدائمة والمؤقتة.
مركز الأزمة ثقافي اجتماعي، أنتج نخباً سياسية، تفتقد صفتين، هما: الجدية والصدق.
وجماهير يتميز عقلها بتساكن المتناقضات، والجمع بين الأضداد، الإيمان بشيء وفعل نقيضه!.
قواعد شعبية لا تحترم القانون، ونخب انتهازية تستثمر في ثغراته!.
بكل تأكيد، المشكلة ليست في أنثى الأنوفيلس، ولا في القوانين، ولكن في ثقافة التعامل معها.
(وضع الملابس على لافتة المنع)!.
[/JUSTIFY]

العين الثالثة – ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني