ضياء الدين بلال

إسراف في العقاب!


[JUSTIFY]-1-
خبر مصادرة 14 صحيفة سودانية بعد طباعتها، صعد في أعلى قائمة اهتمام وكالات الأنباء والصحف العالمية والإقليمية.
في صباح أول أمس، تلقيت عدة اتصالات من رويترز، ووكالة الأنباء الفرنسية، والبي بي سي، كلها تتساءل عن سبب المصادرة.
كان ردي عليهم: (ليس المسؤول بأعلم من السائل، عليكم بطرح السؤال على الجهة التي قامت بالمصادرة).
الراجح الآن، أن كل ما حدث، مترتب على نشر خبر اختفاء الصحفي سراج النعيم.
أسوأ حدث لأي إعلامي في العالم، أن يتحول إلى خبر.
-2-
خبر اختفاء الصحفي سراج النعيم، ظل خبراً محلياً، وفي بعض الصحف المصادرة لم يتجاوز صفحة الجريمة!
بعض الجهات الإعلامية، جمعت الخبرين في خبر واحد: خبر مصادرة الصحف؛ واختفاء الصحفي؛ ولم تورد معلومة ظهور الصحفي، وما جاء في بيان الشرطة.
حتى الصحف التي لم تُصادر، فامتثالاً لحكمة (الباب البجيب الريح)، لم تذكر للقراء أن الصحفي الدرامي أخفى نفسه، ولم تخفِه جهة أخرى، وظهر برواية لا يصدِّقُها حتى أطفال الروضة ونزلاء مصحة كوبر!
البعض الآخر، سعى لوضع تفسير سياسي، بأن الغرض من المصادرة الجماعية ليس العقاب على نشر خبر اختفاء الصحفي، ولكن تخويف الصحف قبل بداية العملية الانتخابية، حتى (تمشي على العجين ما تلخبطوش)!
-3-
خبر المصادرة من الأخبار التي يسهل استغلالها على كل الوجوه، وتوفير تفسيرات تحقِّقُ أجندة من له غرض في النيْل من الحكومة.
في مرات كثيرة، كنت أردِّد أن الحكومة تعوَّدت أن تلحق بنفسها أضراراً وأذى في السمعة والسيرة، أكثر من التي تأتيها من أعدائها!
خبر اختفاء سراج، أقل أهمية وأقل ضرراً على سمعة الدولة من خبر مصادرة 14 صحيفة. ما حدث سابقة تُعدُّ الأولى في تاريخ العالم، وستدخل موسوعة جينس بامتياز!
-4-
صحيح، هنالك مخاطر كبرى تتربَّص بالوطن، وتطرق عدة أبواب، وعلى جميع الصحف أن ترفع حس المسؤولية لديها، لتساعد في التصدي لها، وألا يؤتى الوطن من قبلها.
المخاطر ليست سياسية وأمنية فقط، هناك مخاطر تهدد المجتمع وكيان الدولة.
الصحافة نشاط يومي لا يتوقف، فمن الطبيعي أن تعتريه أخطاء، وفي مرات أخرى تختلف تقديرات الصحف مع الجهات السياسية والأمنية؛ ولكن في كل الأحوال المتعلِّقة بالأخطاء واختلاف التقديرات، يجب ألا يكون العلاج أخطر من المرض، بحيث يكون الدواء أسوأ من الداء!
-5-

الصحف لم تتعامل مع شائعة إسفيرية مجهولة النسب، بل تعاملت مع خبر يستحق النشر والإبراز في وجود بلاغ مدوَّن في الشرطة، وتعليق من أسرة الصحفي المختفي.
الجميع تعاملوا مع الخبر باهتمام وقلق، خاصة بعد علمهم بأنه تلقَّى تهديدات، قد تكون صحيحة أو مُفبركة.

المهم أن هنالك خبراً لا يمكن تجاوزه.
لا أعرف الصحفي سراج على المستوى الشخصي، ولكن تعاملت معه كصحفي زميل، في مؤسسة زميلة، وخبر اختفائه يستحق الاهتمام،
وحيثيات الخبر مقرونة بمعلومة تلقّيه تهديدات تعطي أهمية أكبر للخبر.
إذا كان هناك تساهل في النشر، فقد قوبل بإسراف في العقاب.
:::[/JUSTIFY]