عبد اللطيف البوني

عجول أمريكية بريطانية


[ALIGN=CENTER]عجول أمريكية بريطانية [/ALIGN] حاج الشين له نصيب كبير من إسمه في سلوكه العام، أوربّما جاء الإسم تأسيساً على أفعاله الشينة، وكان الناس يتجنبون التداخل معه حذرا وخوفا منه . ذات يوم ومن داخل داره سأل جارته عما إذا كانت عجوله قد دخلت عليهم فسمعت جارة الجارة السؤال فقالت لجارتها (سجم خشمكم أكان عجول حاج الشين صاحبت عجولكم). تذكرت هذه الطرفة وأنا أقرأ أنّ الحكومة طلبت من أمريكا أن تساعدها في ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب أو أنها قررت الاستعانة بخبراء أمريكان في ترسيم الحدود بين شقي البلاد فـ(الحالة ون) لأن الخبراء لن يتجردوا من أمريكيتهم. يبدو أنّ الحكومة قد استمرأت حكاية الخبراء الأمريكان فهم الذين صمموا نيفاشا التي اتضح الآن أنها كانت تعبيداً لطريق الانفصال وإن شئت فقل استقلال الجنوب. فمنذ دان فورث واتفاقية جبال النوبة إلى (مساسقة) قرايشن على السودان ظلت أقدار السودان بيد (الجماعة ديل)، وهؤلاء الجماعة يقولون إنهم يفرضون سياستهم في السودان بالجزرة والعصا ولكن (يعمينا) ما شوفنا جزرة اللّهم إلاَّ إذا كانت جزرات سياسية تقدم للسياسين في الشمال والجنوب تحت التربيزة؛ والمعلوم لنا أنّ السياسة مثل جبل الجليد تسعة أعشاره تحت الماء وعلى العشر المتبقي يسهر الخلق ويختصمون. فياجماعة الخير إن كانت هناك جزرة وضحوها لنا أما العصا فقد شبعنا فيها (سمع وشوف)، وعلى العموم ترسيماً سعيداً وحدوداً آمنة. وفي سياق قريب من ذلك طلبت ذات حكومة السودان من الحكومة البريطانية أن تساعدها في حث الجهات الدولية المانحة أن تعفي ديونها التي على السودان (مبروك)، والمعلوم أن ديون السودان بغلت أربعة وثلاثين مليار دولار (بنات حفرة) علماً بأنّ أصل الدين أربعة عشر مليار فقط (شفتو الربا بيربى هناك كيف؟). كثير من دول العالم وقعت في فخ الديون فقد كانت سياسة تركيع مقصودة صممتها الإمبريالية لتكون أداة سيطرة جديدة ولكن بعد نهاية الحرب الباردة اتضحت كارثية هذا السلاح فقام الكثير من المانحين بإعفاء ديونهم على الدول الفقيرة (المتعثرة). ولكن هذا الإعفاء كان يتم على أسس سياسية أي بطريقة (الريدة والكجنة)- طبعاً التعبير الإنجليزي أجزل- والسودان كان وربّما ما زال من الدول التي كانت تكجنها الأسرة الدولية أو المجتمع الدولي، ولبريطانيا نصيب الأسد بعد أمريكا في هذا المجتمع الدولي، فما الذي استجد لكي تطلب منها حكومة السودان دورالأجاويد هذا ؟ ألم نقل إنّ السياسة سرّها أكثر من جهرها؟. الذي يجمع بين ترسيم الحدود والديون أنّ الأمرين من نقاط الخلاف البارزة حالياً بين الشمال والجنوب وإن شئت الدقة فقل بين الخرطوم وجوبا، والتي يجب تسويتها قبل استفتاء تقرير المصيروإلاّ فإنها سوف تشكل عقبة أو ربّما تم ترحيلها إلى مابعد الاستفتاء لتكون من الأمور التي يمكن أن (تشعللها) بين الدولتين، ومن هنا أتى حرص حكومة الخرطوم على استغلال هذه السانحة فدفعت بالأمرين إلى الدولتين إياهما. ولكن، من يجعل الضرغام بازاً لصيده تصيده الضرغام فيما تصيد؟ فهاتان الدولتان سوف تخضعان الأمر لاستراتيجتهما وسيرسم الخبراء الأمريكان الحدود بما تقتضيه مصلحة بلادهم، أما الديون فيمكن أن تُرحّل إلى مابعد الاستفتاء ويمكن أن تُقسّم، فهناك دولة سوف تُعفى لها ديونها على دائر المليم وأخرى سوف ستظل الديون بفوائدها المتصاعدة سيفاً مصلطاّ عليها فهل نحتاج أن نحزِّر ونفزِّر لمعرفة أيهما من أيهما؟ (والتعبير الإنجليزي هنا أجزل أيضاً).

صحيفة التيار – حاطب ليل- 16/6/2010
aalbony@yahoo.com