طه كجوك

لكُم اللحم ولنا العظم!!


لكُم اللحم ولنا العظم!!
لكم اللحم ولنا العظم .. يا لها من عبارة قاسِية كانت تبعث في نفُوسِنا شيء من الألم العمِيق ونحنُ في لُجج المراحِل الدراسِية الأولى والمتوسطة، ولكِنها قِيضت وطُويت سِجلاتُها وأخرجت هذه القسوة من أكنافِها ثمرات مُختلفٌ ألوانها في شتى المجالات. إن مهنة التدريس هي مِن المِهن الإنسانِية السامِية التي يكُون فِيها العطاء أكثر من المقابل المادي.. فالمُعلم عِبارة عن أكاديمية لتنمِية النفس البشرِية تغرِس فيها نواة التعليم، وهو القائِد التربوِّي الذي يتصدر عملِية توصيل الخِبرات والمعلومات التربوية للتلميذ وتوجِيهه الى السُلوك الحميد فهو أكبر من أن يكون مثل جلاد السُجون، وكيف للمُعادلة أن تقرأ وتُفهم بالمقلُوب ونظّن أن قلب المُعلم والمُربِي كالحِجارة أو أشدُ قَسوة وكأن حِبال الرأفة قد سُلبت مِنه. كلا ومعاذ الله أن يكُون كذلك!! إن المُعلم يدفع بِكُل الوسائل من أجل توصِيل المعلومة للطالب ليتلقاها بِكل سلاسة، لأن وظيفته استبدال طبقات الجهل بواحات من الفِكر والمعرفة، فماذا لو ضرب المعلم تلميذه!! لا تكن أيها الأب حجر عثرة أمام من يُربيه ويعلمه، فأنظر وتفكر ماذا ستشهده سِنين العُمر وأيامه الحُبلى بالصعاب لهذا التلميذ إذا لم ينال حظه من التعليم!! ستضرِبه الليالي بأيادٍ حدِيديه لا تعرف اللين ولا يجد ما يستتر خلفه لأنه وجد ساتِراً ناعِماً ليناً ومُدافعاً له من ضرب المُعلم في طُفولته. المُعلم يحِسُ كما تحِس أيها الأب ويتمنى للتلميذ كل التفوق كما تتمنى أنت، ولكن نظرته تختلف من نظرتك، فالمعلم يحِسُ أن بِداخل عُقول تلاميذه عِماد البلاد ورِفعتها وأنها تُخفِى بين طياتِها جواهِر ولِيده لا بد من التنقِيب عنها ولا يكُون ذلك إلا على أيدِي شرِكة المُعلم للتربية والتعليم والتي مقرها المدارس. من أجل ذلك كانت رؤيتِه مستقبلية ترنُو إلي وضع لبِنات لإقتصاد وطني متين مبنى على أسس ونظريات علميه لذلك يتخذ وسيلة الضرب والزجر كوسِيلة للضغط على التلميذ ليترك كل ما يُشغِله عن دروسه، وبالمقابل يتألم المُعلم لضرب التلميذ بصوره تُفوق تألم الطالِب!! لأن آلام التلميذ جسدِيه تزُول بِزوال المؤثر، أما المُعلم فآلامه حِسِيَّه تدُورُ في خواطِره عشرات المدارات ويتمنى أن تتجسّم المعلومة في شكل ماده يُسلِمُها للتلميذ في يده كزهرة البنفسج ويتلقاها بِكل يُسر وسُهوله، ولا كن هيهات .. هيهات فدُروب العِلم محفوفة بالأشواك والصِعاب والمعاناة.

فالتنخفِض أصواتنا التي تقول (لا لضرب التلاميذ في المدارس) حتى لا نُصاب بسرطان الجامِعات ونخرّج آلاف الطلاب والطالبات في أبهى زينه ولا يكون ذلك أكثر من مُجرد عرض أزياء لأحدث موديلات الروبات، وإذا سألت عن قُدراته العلمية تجدها عاجِزة وواهنة، تلك هي حصائد الفشل التعليمي عندما يقف الأب بجوار إبنه ضد أساليب المعلم الذي خولته الوزارة لتربيته وتعليمه.

لم أنسى قرية (كرمة النزل) بأرض المحس لأنها مَولِد لمعلم اللغة الانجليزية بمدرسة القولد الوسطى مطلع التسعينات، الأستاذ/الفاتح عبد العاطى عثمان الذي أذاقنا لبأس الخوف والضرب واستغثنا بمجلس الآباء لتخفيف العقوبات خاصة والشتاء على الأبوب، ولكن لم نجد ما تمنيناه فقد زادوا الطينة بله عندما همسوا للأستاذ قائلين:(لك اللحم ولنا العظم وعلينا سياط الجريد) وانتهت تلك الأيام بما حملت ولكننا نتوسد ثمرات ذاك الضرب رطباً جنياً من العلم والمعرفة فلله جزاءه بالحسنى ولكل من سار على نهجه ألف تحيه وامتنان..

طه كجوك – ثمرات من النخيل
[email]kjouk@hotmail.com[/email]


تعليق واحد

  1. اخى طة اشكرك على الموضوع الشيق واترحم على روح استاذى الفاتح عبد العاطى اللهم ارحمة واغفر لة اللهم ان كان محسنا فزد فى احسانة وان كان مسيئا فتجاوز عن سيئاتة اللهم لاتحرمنا اجرة ولاتفتنا بعدة ياارحم الراحمين