خروج المهدي ينبئ عن حالة انفراج والشعبي المتمسك بالحوار حتّى في أسوأ أيامه يعول على الأوكسجين الجديد في مرحلة ما بعد النكسة
في تعليقه على اعتقال الإمام الصادق المهدي قبل ثلاثة أسابيع، قال رئيس تحالف الإجماع الوطني فاروق أبو عيسى إنّ الحوار قد مات، لكن حديثاً للرجل منشور في صحيفة (اليوم التالي) بالأمس حمل ما مفاده أنّ “خروج المهدي إيجابي يدفعهم للتفاؤل بأن تذهب الأمور في طريق التعاون مع الآخرين وحل أزمة البلاد”، وقال: “إن شاء الله تفتح التطورات الأخيرة الباب لتصرّفات أكثر عقلانية من قبل المؤتمر الوطني في التعامل مع الحوار”، ونوّه لإمكانية انخراطهم في الحوار الوطني حال الاستجابة لشروطهم حول الحريات، وما عداها من شروط. حديث أبوعيسى الإيجابي حول مسألة إطلاق السراح ينبئ عن انتظار حالة من الانفراج في المشهد السياسي المحتقن في مقبل المواعيد.
لكن حزب الإمام لم يوضح موقفه الأخير من مجريات الأمور، وإن بدت حالة من الترحيب بقرار السلطات بإطلاق سراح قائده، الذي اكتفى بكلمة مقتضبة في داره قال خلالها: “ﺃﻧﺎ ﺷﺎﻋﺮ أﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻛﻠﻬﺎ ﺩﺍﺧﻞ ﻭﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻣﺴﻠﺤﻴﻦ ﻭﻣﺪﻧﻴﻦ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻣﻮﻗﻒ ﻣﻮﺣﺪ، ﻭﺃﻣﺎﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﻭﻫﺬﺍ الاستفتاء ﺳﻮﻑ ﺃﺳﺘﻤﻊ إليهم جميعا، ﻭﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﻤﻊ لهذه الآراء سنجتمع ﺑﻜﻢ ﻓﻲ لقاء ﺟﺎﻣﻊ ﺷﻌﺒﻲ ﻟﻜﻲ ﻧﺤﺪﺩ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﺴﻠﻴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﺘﺨﺬﻩ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻲ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﻄﺎﻟﺒﻪ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻋﺔ”. كلمة الإمام بدت وكأنّها تحيل الموقف المنتظر إلى زمان آخر، لكنها في الوقت نفسه تحافظ على الحوار، باعتباره قيمة يؤمن بها الرجل، وبقدرته على معالجة اختلالات الأزمة السودانيّة في إطارها الكلي، الذي لا يستثنى أحداً، بما في ذلك الحركات المسلحة وإن تفادى الإمام في كلمته الحديث عن القضية الرئيسة التي تم اعتقاله بسببها، وتفادى كذلك الحديث عن قضية المعتقل الآخر، وحليفه في تحالف الإجماع سابقاً إبراهيم الشيخ.
لكن إيجابية ما يمكن انتظاره يخبر عنها في مكان آخر الحزب المتمسك بالحوار حتى في أسوأ أيامه؛ يقول الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي، كمال عمر خلال حديثه لـ(اليوم التالي) بأنّ عملية إطلاق سراح المهدي ضخّت أوكسجينا في رئة الحوار الوطني. حيث إنها جاءت بعدما أسماها مرحلة النكسة، التي صاحبت إجراءات العملية بتراجع السلطة عن مناخ الحريات وأن خطوة الحكومة بإطلاق سراح المهدي خطوة يمكن أن تصب إيجابياً في عملية الوصول إلى تسوية للقضايا العالقة.. ويواصل عمر معدداً أولى نتائج عملية فك قيد المهدي. حيث انفتحت دار الأمة أمام اجتماعات أحزاب المعارضة المشاركة في عملية الحوار بحضور ممثل لحزب الأمة، كما أن حزبي الإصلاح الآن بزعامة غازي العتباني وحزب الشرق الديمقراطي تراجعا عن موقفهما القائل بتجميد عملية الحوار، فالكل بحسب عمر ثمّن الخطوة الأخيرة، لكن الرجل يستدرك بجملة أخرى يقول فيها: (إن الحرية لا تتجزأ ولا يمكن اكتمالها ما لم يتم إطلاق سراح إبراهيم الشيخ) وهو ما تم الاتفاق عليه بين قوى المعارضة في اجتماعها بدار الأمة أمس. (الشعبي) لم يقف عند الحديث عن مواقفهم كقوى مجتمعة وإنما تناول موقف حزب الأمة من عملية الحوار والتسوية وحول إمكانية بروز موقف جديد للحزب. اكتفى عمر بالقول إن موقف الأمة من الحوار ظل ثابتاً في عملية الدعم ولم يزحزحه حتى اعتقال الصادق الذي أكد الاستمرار فيه من خلف القضبان، يضيف عمر: نعم اتخذت دوائر الحزب قرارها بالتعليق بناءا على الموقف من الحكومة، الأمر في نهايته لم يخرج بنتيجة أخيرة، فالأمة لم يعلنها صريحة قبولاً أو رفضاً لكن اجتماعنا في داره خطوة في مواصلة مسيرة التسوية، فهو الآن في مرحلة التقييم.
عمر الذي يصر على عملية استمرار الحوار مع الوطني، يفاجئه صاحب الدعوة بتصريح من نائب رئيس حزب الموتمر الوطني ومساعد الرئيس إبراهيم غندور وهو يلوح بالاتجاه نحو صناديق الاقتراع ما لم يؤت الحوار أكله، لكن الاتجاه نحو الانتخابات مرفوض من قبل حزب الشيخ الترابي الذي ينظر للحوار بأنه محاولة لتأجيل الانتخابات أو تأجيل عملية تزويرها حال قامت في ظل هذه الظروف التي ستجعل الوطني يدخل انتخابات مع نفسه، مؤكداً أنهم كقوى معارضة يتفقون على ضرورة العودة إلى محطة الديمقراطية والحريات.
بعيداً عن القوى التي انضوت تحت لواء الحوار، فإن القوى الرافضة للحوار لم تعلن عن جديد عقب إطلاق سراح المهدي، وإنما ظلت على موقفها الداعي لتوفير اشتراطات الحوار.. الاشتراطات المفقودة ما لم يتم إطلاق سراح الشيخ وإشاعة الحريات. في هذا الجانب، فإن عملية التأثير الإيجابي من عملية إطلاق سراح المهدي تغيب من هذا الاتجاه باعتبار أنه لا جديد. أمر آخر جدير بالملاحظة وهو أنه حين اعتقلت السلطات المهدي أصدرت جل الحركات المسلحة بيانات تشجب خطوة الحكومة وتصفها بأنها غير جادة في عملية الحوار التي أطلقتها، وحتى يوم أمس لم يصدر أي بيان ترحيبي بخطوة إطلاق السراح، وهو ما يباعد عملية الوصول إلى تسوية تكون هذه الحركات طرفاً منها.
حسناً، عقب اعتقال المهدي كانت قد نشطت حالة التقارب بين القوى الرافضة للحوار وحزب الأمة القومي، وفي صبيحة إطلاق سراحه كانت الصحف تحمل خبراً مفاده تنسيق مشترك بين الأمة والوطني الاتحادي في سبيل السعي لإيجاد نظام جديد على هدى المواجهة، سبقه بيان مشترك بين الأمة والحركات المسلحة في ذات الإطار وهي البيانات التي سيذهب مدادها الآن بانتهاء مراسم إطلاق المهدي أو هكذا تبدو الصورة التي تنتظر في خواتيمها انتهاء المهدي وحزبه من عملية تقييم ما حدث أو الانتهاء من المؤتمر الشعبي الجامع الذي دعت له كلمة الدار عقب منح المهدي حريته. وإن ظل بعض المراقبين في قراءتهم لمشهد ما بعد الحرية ينظرون إليه بذات النظرة المسبقة ولا ينتظرون جديداً في الساحة السودانية يقودها نحو شواطئ التسوية المرضي عنها من الجميع.
صحيفة اليوم التالي
أ.ع
خروج المهدي المنتظر يعني القيامه قربت