حوارات ولقاءات

رياك مشار: سلفاكير أعلن علينا الحرب في اجتماع مجلس التحرير ودبر مؤامرة لاغتيالي

[JUSTIFY]خرجت من منزلي بملابس النوم واختبأت في مزرعة قريبة من قيادة الجيش الشعبي تعرضنا لمطاردة شرسة من الجيش اليوغندي ووقعنا في كمين قبل وصولنا إلى بور قوات سلفاكير نفذت مجازر مروعة أبادت بها عدداً كبيراً من أبناء النوير الجيش اليوغندي يعربد في الجنوب وموسفيني يرفض سحبه تلبيةً لرغبات سلفا نرغب في تطبيق فيدرالية تستوعب ثقافاتنا وتحتوي التعددية العرقية والدينية في الجنوب

أديس أبابا – رئيس التحرير

++ السحب تغطي السماء وترسل بعض فيضها بين الحين والآخر، فتغسل النسيم بالندى، وتجمّل طقس الزهرة الجديدة.. خطوت إلى مقر إقامة الزعيم الجنوبي الدكتور رياك مشار والرهبة تأخذ بتلابيبي، وقد حضرت على عجل بعد أن تلقيت موافقةً سريعة على طلب الحوار مع شخصية محورية ومثيرة للجدل في جنوب السودان.. ازدادت الرهبة عقب خضوعي لإجراءات التدقيق الأمني، التي أشرف عليها حراس أشداء غلاظ، لا تعرف الابتسامة طريقها إلى وجوههم، بعكس مستضيفي، الذي بدا مرحاً، ضاحكاً مستبشراً برغم ما يحيط به من أهوال.. تأملت ملامحه الوسيمة.. اللحية وَخَطها بعض الشيب، فجمعت النقيضين، القوام الفارع، اللون الأبنوسي.. كان الرجل جالساً في (تعريشة) صغيرة ملحقة بالمبنى الفخم الذي يقيم فيه، برفقة بعض قادته وطاقم حراسته.. بادرني بالسلام وتقدم ناحيتي ودعاني إلى الجلوس بجواره، فقدمت له نفسي، وذكرت له اسم صحيفتي، فردد الاسم خلفي، ثم قال: “دي جريدة جديدة.. على أيامنا ما كانت موجودة”، فقدمت له نبذة قصيرة عنها، وشرحت له مقاصد الحوار، فرحب وقال إنه جاهز للحديث، ومهتم بشرح موقفه لأهل السودان عموماً ولقيادتهم على وجه الخصوص، وذكر حديثاً طيباً عن السودان..

ولد رياك مشار في العام 1953 وهو ينتمي إلى قبيلة النوير وقد شغل منصب نائب رئيس دولة جنوب السودان في يوليو 2011، وهو من مؤسسي الحركة الشعبية لتحرير السودان، وقد دخل مؤخراً في خلافٍ عنيف مع الرئيس سلفاكير ميارديت الذي اتهمه بتدبير انقلاب يهدف به إلى الاستيلاء على الحكم بالقوة، وهو ما أنكره مشار، الذي دخل في صراع دموي بالغ العنف مع حكومة جوبا، وحضر إلى أديس أبابا مؤخراً للمشاركة في قمة الإيقاد التي خصصت لمناقشة الصراع في دولة الجنوب، وكانت لنا معه المحصلة التالية:

* تعرضت السيدة هيلدا جونسون رئيسة بعثة الأمم المتحدة لاتهامات مباشرة من حكومة سلفاكير، ودمغتها بالانحياز لكم خلال النزاع الأخير، فهل انحازت لكم؟ وما رأيك في موقفها؟

هيلدا جونسون لم تنحز إلينا، بل انحازت للحكومة أكثر، لأنها رفضت كشف ما فعلته الحكومة، بل سعت إلى معالجته، منذ أن أتت كممثلة للأمين العام للأمم المتحدة اقترحت تكوين آلية لمناقشة حدود تفويضها كل أسبوع، وكنا نجلس كل يوم خميس في مقر اليونميس، وكنا نعالج الأمور أولا بأول، عندما خرجت من الحكومة لم تستمر هذه الآلية، بل دخلت الحكومة في مشاكل وصدامات عديدة معها.. لم تسر الأمور مثلما توقعت، وعندما حدث النزاع لم تتصرف كما توقعت، لأنها أخفقت في رصد المجازر التي حدثت في جوبا، كان بمقدورها أن تحمي المواطنين المدنيين ولو بإدخالهم مقار الأمم المتحدة في عاصمة الجنوب ولم تفعل، (She didnt do a good job) في هذا الصدد نحن نقول إنها كانت مطالبة بأن توضح للمجتمع الدولي أن الحكومة انتهكت حقوق الإنسان وارتكبت مجازر جماعية على أساس عرقي، أنا عندما قابلتها ذكرت لها أنها لم تؤد واجبها، حكومة الجنوب تتهمها بالانحياز لنا، أتمنى أن تفلح اليونميس في حماية المواطنين، وتصون حقوق الإنسان، وتوفر الإغاثة للمتضررين من الحرب وتسهل الدعم الإنساني، وتراقب اتفاقية وقف العدائيات، وتشرف على تنفيذ اتفاقية وقف العدائيات، وتراقب أي خروقات تحدث لها، بالنسبة لي التكليف الأول الذي أتت به هيلدا جونسون إلى جنوب السودان كان أفضل من الحالي، لأنه كان ينص على المساعدة في التنمية والتعمير، لكنهم افتقدوا ذلك تماماً في الوقت الحالي، وربما أجد لها بعض العذر، لأن الحرب التي تدور في الجنوب حالياً صعبت مهمتها.

* نعود إلى يوم المذبحة كما تسميها، ويوم الانقلاب الذي حاولت فيه إقصاء سلفاكير من السلطة كما تسميه حكومة الجنوب، ونسأل: كيف خرجت من جوبا يومها؟ وماذا حدث؟

في يوم 14 ديسمبر حضرنا مؤتمر مجلس التحرير، وعندما استمعت إلى خطاب سلفاكير كرئيس للحزب استغربت، وقلت لمن معي: “ده خطاب إيه؟.. ده إعلان حرب”، وعندما انتهى الاجتماع، وفي حوالي الساعة السابعة والنصف مساءً رجعت إلى منزلي ووجدت بعض الضيوف في انتظاري، وكان أحدهم شابا من السودان، أتى ليتناول معي طعام العشاء، وعرض عليّ إنشاء موقع على الإنترنت، وبعد العشاء ودعته، ودخلت غرفة نومي واستبدلت ملابسي وتهيأت للنوم بعد يومٍ مرهق، أتاني أحدهم وقال لي هناك من يطلب مقابلتك فوراً، فقابلته وكان من الأفراد المكلفين بحمايتي، وسألته: ماذا هناك؟ قال لي: “هناك أصوات رصاص، الأمور غير مستقرة في جوبا، لا نضمن سلامتك هنا، يجب أن تبتعد عن المنزل فوراً”، سألت زوجتي: هل سمعت شيئاً؟ ردت بالنفي.. وبالفعل، استنفر أفراد الحراسة أنفسهم، وجهزوا مجموعة من السيارات، وأخذونا بها على الفور، حدث ذلك حوالي الساعة الحادية عشرة وعشرين دقيقة، أخذوني إلى حي قريب، وكان المكان غير مجهز حتى للنوم، هناك بدأت اتصالاتي مع بعض الإخوان، سألتهم: ماذا يحدث؟، قالوا لي (في أصوات ضرب في قيادة تايغر)، اتصلت بهيلدا جونسون وسألتها: يا هيلدا معلوماتكم شنو عما يحدث في جوبا حالياً؟ قالت لي: ما يحدث في جوبا تستطيع أن توقفه أنت، سألتها: ماذا تعنين بحديثك هذا؟، لا دخل لي بما يحدث، ولا أدري ما يجري حالياً وليس لي معلومات عنه.. قالت لي أنت تؤجج الصراع في الجنوب، ويجب أن توقف ما يحدث على الفور، قلت لها حسناً، ولم أواصل حديثي معها، قضيت ليلتي هناك، وفي حوالي الساعة السابعة صباحاً بدأنا نسمع بيانات حكومية عبر وسائل الإعلام تتحدث عن وجود محاولة انقلابية، وتوالت البيانات تتحدث عن اعتقال فلان وعلان.

* هل كانت معك قوة كافية لحمايتك؟

أبداً، كان معي خمسة أفراد فقط، لأن كل شيء حدث على عجل.

* هل انتقلت من مكانك أم ظللت فيه؟

في يوم 16 ديسمبر انتقلت للإقامة بالقرب من القيادة العامة (قيادة بلفا)، في مزرعة تخصني، وتابعت الأخبار من هناك، قالوا بدءاً إنني لجأت إلى السفارة الأمريكية، وردد البعض أخباراً تفيد اعتقالي، وهناك من زعم أنني قتلت أثناء المحاولة الانقلابية، المهم.. من مقر إقامتي اتصلت هاتفياً بتعبان دينق (حاكم ولاية الوحدة سابقاً) وسألته عما يحدث، فذكر لي بعض المعلومات، عندها أخطرته بمكان إقامتي، وطلبت منه الحضور على الفور فحضر، وجلسنا نتفاكر حول ما يجري، واتفقنا على ضرورة الخروج من جوبا لأن الوضع فيها غير مطمئن، بعد أن تواترت الاعتقالات، وتصاعدت وتيرة نبرة الحكومة في ترديد الأكاذيب المتعلقة بمحاولة الانقلاب الوهمية، وبدأت قوات سلفاكير في تنفيذ مجازر أبادت بها عدداً كبيراً من أبناء النوير، وصارت تقتلهم على الهوية، مثلما قتلت واعتقلت كل من تشك في ولائه لها، اتفقت مع تعبان دينق على أن نتحرك شمالاً، فجهز قوة صغيرة وتحركنا، وسط مطاردة شرسة من قوات سلفاكير المدعومة بالجيش اليوغندي الذي دخل المعركة بكل ثقله، وكما ذكرت سابقاً فقد صرح موسفيني بأنه سيعتقلني في ظرف أربعة أيام فقط، تحركنا بسرعة شديدة، ووصلنا إلى بلاد المنداري وهناك انضمت لنا مجموعة صغيرة، ثم وصلنا إلى منقلا، وسط أنباء عن تدهور الأوضاع واشتداد حدة القتال وتصاعد هجمات قوات سلفاكير على المدنيين، وخضنا عدة معارك كانت غير متكافئة بسبب قلة عدد القوة التي كانت ترافقني وضعف تسليحها، بعدها انسحبنا إلى بلدة (قدَيم) وهناك وقعنا في كمين شرس أعدته لنا قوات الحكومة، وقتلت فيه مجموعة من قواتي، فتحركت إلى بور، ودخلتها، وهناك قررنا أن نواجه القوة بالقوة، وأن نقاوم قوات سلفاكير، وبالفعل جمعت قواتي وبدأنا كفاحنا المسلح لمواجهة المجازر التي كانت ترتكبها قوات سلفاكير في كل من تشك في ولائه، أو تتهمه بالانتماء إلينا، وبعدها تواصلت المعارك، واستطاعت قواتنا أن تبسط سيطرتها على كامل ولاية الوحدة، وحررنا مناطق كبيرة من نفوذ قوات سلفاكير، وواصلنا القتال دفاعاً عن أنفسنا ومواطنينا حتى تم توقيع اتفاقية وقف العدائيات، التي ينتهكها سلفاكير ويتنكر لها يومياً.

* إلى أين يتجه الصراع حالياً؟

كنا نتوقع أن تهدأ الأمور بعد توقيع اتفاقية وقف العدائيات التي أشرفت عليها الإيقاد، لكن سلفاكير لم يتقيد بها، وكان من أهم بنودها سحب القوات الأجنبية من أراضي الجنوب، وذلك لم يحدث حتى اللحظة، ما زالت القوات اليوغندية تعربد في الجنوب، وما زال موسفيني يرفض سحبها، بل إنها تمددت حتى أعالي النيل، وشاركت في القتال ضد قواتنا هناك، وقد دخلتها بطلب من سلفاكير الذي أرد أن يحمي بها مناطق إنتاج النفط وفشلت في أداء مهمتها لأننا واجهناها بشدة، وهزمناها في أكثر من معركة، وكما ذكرت سابقاً فإن سلفاكير لا يريد سلاماً، وهو يريد أن يحسم الصراع عسكرياً، وكل خطواته تدل على ذلك، وكما ذكرت لك سابقاً هناك أربع مجموعات أجنبية تشارك في القتال إلى جانب سلفاكير، وهي قطاع الشمال، العدل والمساواة، وحركة تحرير السودان بجناحيها، جناح عبد الواحد وجانح مناوي، قاتلوا مع الحكومة، وشكلوا جزءاً كبيراً من القوات التي تهاجمنا، تحدثت في اجتماع الإيقاد في وجود سلفاكير وموسفيني، وطالبت بسحب القوات الأجنبية من الجنوب، الجيش اليوغندي قاتلنا بمجموعتين، الأولى قاتلتنا في أعالي النيل، والأخرى موجودة في غرب الاستوائية.

* نعود إلى ملف العلاقة بين السودان والجنوب، ماذا تتوقع لها؟

لو نفذنا الاتفاقيات الاثنتي عشرة التي وقعناها سابقاً لأصبح لدينا تعاون أكبر، شريط الحدود يمتد لأكثر من ألفي كيلومتر بين البلدين، وحركة المواطنين فيه لم تكن تتوقف سابقاً، لأن الحدود المرسومة على الورق ليست موجودة على الأرض، بل إن التكامل الاقتصادي كان من الممكن أن يمتد ليشمل كل دول منطقة الإيقاد، مثلما يحدث في دول الاتحاد الأوروبي، لا فكاك للدولتين من بعضهما البعض، لدينا مصالح مشتركة، وصوت العقل يفرض علينا أن نحرص عليها، ونطور علاقاتنا لتزدهر الدولتان اقتصادياً، حقول النفط الكبيرة موجودة في الجنوب، وكل منشآت البترول من مصاف وخطوط أنابيب موجودة في السودان، ولو تكاملت الرؤى فستستفيد الدولتان بلا شك، لا مصلحة لنا في التشاكس والاحتراب، السلام أفضل لنا، والتعاون يفيدنا، لا توجد كراهية بين الشماليين والجنوبيين، نحن تعايشنا سنوات طويلة، ونعرف بعضنا جيداً، وبمقدورنا أن نفعل الكثير لو توسعت مساحة الثقة واتجهنا إلى التعاون المشترك.

* ما هي رؤيتك حول نظام الحكم الأمثل لجنوب السودان؟

نرغب في تطبيق نظام حكم فيدرالي لأنه يستوعب ثقافاتنا، ويحتوي التعددية العرقية في الدولة الوليدة، ويمكن أن يحمي التنوع الديني الموجود في الجنوب أيضاً، وهو يحوي ديمقراطية أكثر، إصرار سلفاكير على تطبيق النظام المركزي الذي تهيمن فيه سلطة واحدة على القرار في كل أرجاء الدولة سيؤدي إلى فشل الدولة أكثر.. يجب أن تطبق الفيدرالية على أساس المراكز القديمة.

صحيفة اليوم التالي
أ.ع[/JUSTIFY]

تعليق واحد

  1. تاني رجعنا لمطالب الفدرالية. نفس المطالب التي كان يطلبها الجنوبيون مجتمعين من السودان الشمالى وبعد شوية مين يعرف يمكن تقرير مصير .