تحقيقات وتقارير

حبك نار ولع فيني زي الدولار.. معالجة اجتماعية صادمة ومبتذلة !

مثلها مثل أية ازمة خانقة تمر بالبلاد، يتبارى الخيال الشعبي في توصيفها شعراً أو مقالاً ساخراً أو كاريكاتيراً، فيقدمها بلا رتوش. الأزمة الاقتصادية الأخيرة رغم تضييقها على حياة الناس إلا أنّها كشفت عن أن روح الدعابة والسخرية التي يتمتّع بها الشعب السوداني تظل مختبئة فيه حتى يحركها من الأحداث ما يستفزها ويُهيل عنها الغبار.
قبل أيام كان المطرب الصاعد طلال الساتة، يُغني في إحدى المناسبات الاجتماعية، وكانت رجاءات الجمهور تنطلق بأصواتٍ متفرقةٍ وهم يصيحون (الدولار.. الدولار). لم أعِ وقتها ما الذي يقصدونه بهذا، حتى ارتجت الساحة فجأة مع تصاعد أصوات الفرقة الموسيقية وهي تعزف أغنية ذات لحن صاخب، بعدها انطلق صوت المغني مردداً:
حبيبي حبك نار. ولع فيني زي الدولار.
وقتها أثارت الأغنية كثيراً من الجدل داخل حفل الزفاف لغرابة كلماتها وموضوعها، بيد أن كثيرين أجمعوا على أن الفن هو انعكاسٌ للهموم الشعبية. رغم دفوعات البعض المساندة لإقحام الهم العام والمشاكل التي يعاني منها المجتمع في الفن، إلا أن الابتذال الذي قدمت به الأغنية يفرغها من مضمونها المتخندق مع هموم وأوجاع الناس. فالأغنية راقصة وبدائية وتحفل بكلمات ركيكة للغاية أظن أن شاعرها قصد أن يلحق بها (السوق) مستغلاً معاناة الناس من الضائقة المعيشية وارتفاع سعر الدولار في الصرافات الرسمية أو في السوق الموازي.
الأغنية تعتبر امتداداً لما ظلت تعاني منه المجتمعات العربية والشرقية عموماً من انحدار في الذائقة العامة خلال فترات الاحتقان السياسي. ففي الفترة التي تلت نكسة يونيو 67 في مصر ظهرت أغنيات (مبتذلة) و(هابطة) رددها الشارع المصري كثيراً وربما لرسوخها وانحطاطها لا يزال يستدل بها في كثير من المناسبات مثل أغنية المطرب الشعبي أحمد عدوية (السح الدح أمبو) والتي طار صيتها وأصبح كل الناس يرددونها رغم أنها جاءت خلال فترة شهدت بروز عمالقة الفن المصري أمثال أم كلثوم وحليم وعبد الوهاب وفايزة أحمد وشادية.
ولعل ذات الأزمة الفنية تعيد إنتاج نفسها مرة اخرى في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها (أم الدنيا) مثل فرقة أوركا وأورتيجا التي تسيطر الآن على إجمالي المشهد الفني بمصر، ذات الأمر ظهر في أعقاب سقوط الرئيس العراقي صدام حسين واشتعال أعمال القتل والسلب والاستقطاب الإثني الحاد الذي شهدته أرض الرافدين فلم يكن من (سفح) المدينة وقتها سوى أن يدفع للناس بأغنيات على شاكلة (البرتقالة) وغيرها من الأغنيات التي تدق بإسفينها في العصب الشعبي.
الفن ليس فقط رسالة ولا حضارة، ولكنه حالة. حالة يعيشها الإنسان فتأخذ مشاعره إلى دنيا رحبة من التسامح والرُقى.. حالة من العشق يمتزج فيها الإنسان مع عقائده فيصبح قادراً على رؤية الجمال بعين الفارس وليس الأسير، بعين الحمائم وليس الصقور.. ويمكن بذات المنطق أن ينحدر إلى السفح في حال كانت الحالة الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية بذات المستوى.

كتبت: هاجر البدري- صحيفة حكايات

‫2 تعليقات

  1. [B]بعد طه سجيمان استعدو لمدمر آخر للذوق السوداني ذلك النكرة المدعو طلال الساتة[/B]