ضياء الدين بلال

معليش..اكتشاف متأخر !!


[JUSTIFY]
معليش..اكتشاف متأخر !!

كنت في الطريق إلى صلاة الجمعة، معي ابنتاي رنا وراما.
الاولى تسع سنوات والثانية سبع، كنت مشغولا بالتفكير في أمر ما من شؤون الاسرة أو معاكر العمل!
كان مؤشر المذياع على احدى المحطات الدينية في الإف إم.
تفاجأت بصمت البنتين-على غير عادتهما المشاغبة- وحينما ادرت وجهي نحوهما رأيت على ملامحهما شعور مزدوج يجمع الاهتمام بالمتعة!
كنا على بعد خطوات من المسجد، الإمام صعد الى المنبر وهو يطارد أنفاسه الهاربة من صدره!
مصدر اهتمام صغيرتيَّ هو حديث اذاعي ممتع للمرحوم محمد سيد حاج في شرح مدارج السالكين لصاحب السحر الحلال والقلم السيال ابن القيم الجوزية.
أصدقكم القول لم أكن أعرف الرجل على القدر الذي يستحق، بل لم أكن اركز في حفظ اسمه هل هو محمد أم أحمد سيد؟!!
كنت حينما أراه في الفضائيات أظنه واعظاً سلفياً متشدداً يأخذ بعزائم الحنابلة ومأثورات ابن تيمية وفتاوى الشيخين بن باز والعثيمين ومعتقل في تصحيحات الشيخ الالباني!
للأسف اول مرة ألتفت لاهمية هذا الرجل وشعرت بأنه داعية استثنائي، حينما شاهدت في فضائية النيل الازرق الآلاف يشيعونه الى مثواه الاخير وهم وهن في حالة حزن حقيقي ودموع ساخنة لا تخرج فقط للتبرج أمام الكاميرات!
أغلب جموع المشيعين كانوا من الشباب والنساء، رجل يحظى بكل هذا الحب والوفاء لابد أن يكون جدير بهما.
أمام المسجد العتيق كنت قد اوقفت العربة كان الامام يتحدث بصوت فاتر وعبارات شائخة وسرد آلي رتيب!
وكان الشيخ محمد سيد حاج في المذياع بصوته الخريفي الجميل يتحدث عن فضائل الصبر بطريقة خلاقة بديعة تمزج النصوص بالموروث من حكم وأمثال سودانية ومقاربات مع وقائع الحاضر، وانتقالات رشيقة بين الفصحى والعامية، تدفق سلس للمعلومات واستخراج سريع للعبر!
كنت وطفلتاي في تلك اللحظات قيد احتجاز جميل، الزجاج المغلق يفصل بيننا وخطبة الجمعة، استفتيت نفسي فكان خياري الاستماع للشيخ محمد سيد حاج من داخل السيارة والصلاة خلف الإمام داخل المسجد العتيق!
بعد تلك الواقعة و متابعة جاءت لاحقة واجتهادات تأملية وجدت أن أفضل ما فعله الراحل محمد سيد حاج أنه قام بسودنة خطاب المدرسة السلفية، اطفأ ما فيه من قائظ فقه الصحراء ونزع مرارات الجدال والنزاع حول المسائل والنصوص!
شق طريقاً أخضرَ-سيسجل باسمه- بمرجعية سلفية ومسح صوفي ومزاج سوداني.
ربما للطف أهل حلفا نصيب في تشكيل هذه الحالة الجمالية الباهرة.
الراحل محمد سيد حاج -رحمه الله- صاحب الابتسامة الفالجة والخالية من ثاني أكسيد التوتر واحد من كثيرين قدر الله الا نكتشفهم الا بعد رحيلهم!
[/JUSTIFY]

العين الثالثة – ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني


تعليق واحد

  1. أخي ضياء الدين بحق وحقيقة لم يتم إكتشاف الشيخ محمد سيد حاج إلا بعد رحيله نسأل الله له المغفرة وان يجعله مع الشهداء والصديقين

  2. ذلك رجل كان يشع نقاء و صفاء ابتسامته لاتفارقه يحبب اليك كل مقاصد الدين الحنيف بتواضع وبساطه مذهله رحمه الله

  3. [FONT=Arial][SIZE=6][RIGHT]- فتح الله عليك أخي ضياء الدين أن أوردت سيرة ذلك الرجل الخلوق بهذا الأسلوب الرائع والوصف الدقيق استرحنا كثيرا من ظلمات السياسين ودجل الدجالين أسأل الله ان يتقبل الشيخ قبولا حسنا ويجعله في مقعد صدق عند مليك مقتدر انه سميع مجيب ،،[/RIGHT][/SIZE] [/FONT]