آمال عباس

كرابيج


[JUSTIFY]
كرابيج

٭ قالت لي ما أن أدخل مكان عملي وأجلس مع الزميلات والزملاء.. حتى أشعر بالشيخوخة تهجم على وتحاصرني وتخنقني، فأبدأ بسرعة في محاولة إدخال الطمأنينة لنفسي وأردد.. أنا لست مثلهم.. أنا شابة متحمسة أكره الروتين.. أحلامي وأهدافي مختلفة.. أنظر لزميلتي أجدها تستعين بالأغاني الوطنية وبعض أغاني الحقيبة وأحياناً الأناشيد الحماسية.. وتقول إن ما تفعله يطرد البلادة.. وتتجاهل النظرات والتعليقات المستنكرة.. حتى تنتهي الاجتماعات الصباحية التي تسمع فيها نفس الأحداث ونتلقى فيها نفس التوجيهات.
٭ وأنظر بإشفاق شديد إلى رئيسي.. وقد هربت منه الحياة ولا يعنيه سوى الحديث عن مشكلاته الخاصة.. غلاء المعيشة.. مشكلات المدارس.. مرض زوجته.. ومرضه هو نفسه وغلاء الدواء وانعدامه في كثير من الأحيان.. ويستمر في الشكوى.. الشكوى طوال اليوم العملي وينهض متكاسلاً ويجرجر قدميه ويبدأ في لعن المواصلات والموقف الجديد قائلاً «شروني شرشر لحمنا وكمل مروتنا الباقية».
وأضافت محدثتي قائلة: نعم أصبحت عجوزاً تحت التمرين.. أعيش نفس المشكلات.. زائداً عليها مشكلاتي الخاصة مشكلة المواصلات فضل الظهر وأحداثه المتزايدة.. ومشكلة خواء الحياة الثقافية والاجتماعية.. ومشكلة غلاء أدوات المعرفة.. ولا أستطيع أن أشتري راديو لنفسي ولا كتباً ولا حتى الجرائد اليومية.. وعندما أجلس في المساء لأشاهد التلفزيون أشعر بأني في المكتب والشيخوخة تحاصرني.
٭ قلت لها ربما أخطأت في اختيار مجال العمل منذ البداية.. قالت: لا أبداً أنا من أوائل دفعتي وأحب توجهي.. ولكن من أول يوم تكسرت الأحلام في وجداني ولسعني الواقع بكرابيجه الموجعة.. واحتواني الملل كلية.. حتى نصحتني أختي بالذهاب إلى طبيب نفساني، وهي تعرف أن الذهاب للطبيب في حد ذاته يحتاج لإعلان برنامج تقشف قاسٍ.. وأنا ماهيتي أقسمها مثل «المرارة»، ومع ذلك لا تغطي مصروفاتي، والجزء البسيط الباقي أساهم به في ميزانية البيت التي هزمها وأقعدها الغلاء، ومازلنا في انتظار مسلسل رفع الدعم السخيف وتصريحات أحزاب الحكومة العريضة وموقف أعضاء المجلس الوطني الأكثر سخافةً وغرابةً، أما أعضاء المؤتمر الوطني فلا تعليق لي على موقفهم، فهم على البر، وأهلنا يقولون: «الفي البر عوام».
٭ قالت لي: احتمليني فأنا أفضفض عن معاناة جيل.. وبالفعل ذهبت مع أختي للطبيب في المستشفى.. استمع لي ولأختي على عجل.. وكتب في الأورنيك عبارة موجهة لمكان العمل.. تحتاج إجازة لمدة أسبوع.
٭ نظرت إلى أختي.. حملت الأورنيك وخرجت وأنا أردد: أنا أطلب العلاج وليس إجازة.
٭ قلت لها العلاج يأتي مع الوقت ومع التشخيص السليم، فأنا في مثل عمرك كنت أحلم بالمثالية والسعادة والنقاء.. لكن كانت عندي المبادئ أولاً وثانياً وثالثاً.. ومازلت أحلم وأنا عجوز.. أحلم وأعمل وأجاهد الملل والشيخوخة ما أمكنني ذلك.
٭ ضحكت ملياً وقالت لي: سأبدأ لكن انقلي ما دار بيننا لقراء «صدى».. وهأنا أفعل.

[LEFT]هذا مع تحياتي وشكري [/LEFT] [/JUSTIFY]

صدي – صحيفة الصحافة
أمال عباس