الدرس الأخير
:: الدولة تتوقع إحتجاجات بشأن الإصلاحات الإقتصادية ولكن نتعهد بالتعامل معها بطريقة حضارية، أو هكذا تعهد أحمد بلال وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الدولة قبل يوم من أحداث ود مدني ونيالا وبعض أحياء أمدرمان..ولكن الوقائع تخالف ما تعهد بها الناطق الرسمي للمسماة بالدولة، وليست طريقة حضارية تلك التي تسببت في أن ينتقل ضحايا الأحداث بنيالا ومدني وأمدرمان إلى الرفيق الأعلى، رحمهم الله وأللهم أهلهم الصبر الجميل وأثابهم على تضحياتهم..نعم، فالعنف الذي يُزهق الروح أو يخرب الممتلكات ليس بنوعين بحيث نرفض أحدهما ونقبل الآخر أو نبرر له، بل يجب رفض كل أنواع العنف، صادرة من السلطات تجاه المتظاهرين العزل كانت، أو صادرة من المتظاهرين ضد الممتلكات..علماً أن نهج الحزب الحاكم هو المدرسة التي تخرج كل أنواع العنف في بلادنا لحد تحويل حتى سوح الوعي بالجامعات إلى ( وحدات قتالية)..!!
:: التعبير السلمي عن الغضب حق مشروع للبشرية، و كان على السلطات حماية هذه المشروعية بمنح كل غاضب حق التعبير السلمي حسب ما ينص الدستور، ليتعلم الشعب ويمارس فضيلة التعبير السلمي في حياته العامة..فالعنف لا يتفاقم بحيث يصبح ثقافة شعبية ما لم يجد المناخ الملائم، وسلطات الدولة وحدها هي المسؤولة عن توفير المناخ للعنف بنهجها الحاكم ..نعم، الشعوب على دين ملوكها المسمى هنا – حقيقة ومجازاً – بالنهج السياسي الحاكم، ولو كان النهج السياسي راشداً لما لجأ المواطن الى الحرائق في أيام كهذه، وعليه ( تلك الحرائق إحدى ثمار نهجكم)..هذا شئ، والشئ الأخر يخطئ أي تقدير سياسي ينسب هذه الإحتجاجات الشعبية لأي حزب أو حركة أو جبهة، أو كما يصرح بعض قيادات الحزب الحاكم، وكذلك والي الجزيرة، وذلك في محاولة يائسة لتستر على الأسباب التي لاتخطئها عين..ما يحدث بالجزيرة والعاصمة وغيرها رد فعل شعبي لفعل القرار الحكومي القاضي برفع الدعم عن المحروقات، وليست للأحزاب قوة أو حرية بحيث تخرج الناس في لحظة إعلان القرار بهذه العفوية وفي هذه المساحات الواسعة، ولو كانت للأحزاب قوة تنظيمية – أو حرية سياسية – لما صبرت ربع قرن من الزمان لتستخدم قوتها وحريتها (أول أمبارح)..هذا رد فعل شعبي، وعلى السلطات عدم تغليفه بالوسواس القهري المسمى بالأحزاب أو الجبهة الثورية ..!!
:: ثم، حتى هذه اللحظة هي إحتجاجات شعبية – نعيش تفاصيل ووقائعها وحجمها وأمكنتها – وغير متحزبة ولاترتقي بحيث تسمى (ثورة ) أو (إنتفاضة)، بحيث تردعها السلطات بكل قوتها وعدتها وعتادها، أوكما فعل القذافي سابقاً وبشار حالياً..ولكن، وهنا مكمن الخطورة، ليست على الحكومة، بل على البلاد بأكملها، هي نواة نوع من الثورة المسماة ب ( ثورة الجياع)..ثورة الجياع تختلف – شكلاً ومضموناً – عن ثورة النخب السياسية والثقافية الباحثة عن الحقوق الانسانية والقانونية، بحيث هي ثورة (بلا فرامل) و ( بلاكنترول)، وهنا يتجلى الخطر دماراً وحرقاً وقتلاً.. وعلى سبيل المثال، لو كانت النخب السياسية المعارضة هي التي نظمت وقادت إحتجاجات ود مدني وأمدرمان، لما تم حرق الطلمبات والمركبات ولما تم نهب سوق صابرين..ولكنها بذرة ثورة الجياع الذين ضاق بهم – وعليهم – سبل العيش من جراء الغلاء والعطالة والفساد والمحسوبية والإقصاء والأنانية، وليس لديهم ما يخسرونه بعد أن خسروا ( حياتهم)، أو هكذا لسان حال السواد الأعظم المصطلي بنار الواقع.. ليس لديهم إحساس بأن هذا المصرف مصرفهم أو محطة الوقود هذه محطتهم، فالنهج الإقصائي الحاكم جردهم حتى من الإحساس بأن هذا الوطن وطنهم، فلماذا ندينهم و ندع (اللي كان السبب ) ..؟؟
:: ماحدث بنيالا ومدني والخرطوم، يجب أن يكون درساً لأي نهج إقصائي..وقد يكون ( الدرس الاخير)، بحيث تعقبه ثورة الجياع العارمة وليست إحتجاجاتهم المتفرقة..قد تعطل السلطات بقوة الشرطة هذه الاحتجاجات، ولكنها تخطئ لو ظنت أنها نجحت في مكافحتها والتخلص منها نهائياً.. لقد كسروا – باحتجاجهم هذا – حاجز الخوف بعد أن تساوت عندهم الحياة والموت من ضيق العيش ورفاهية فئة، ومن هذا الكسر ينطلق أي حراك لا تحده حدود أو قيود أو (فرامل وكنترول) ..وعليه، رغم أنهم لن يستجيبوا للنصح إلا ضحى الغد، نوثقها للتاريخ : ليس بالترقيع الإقتصادي المسمى برفع الدعم أو تنزيل الدعم ، ولا باللت والعجن السياسي المسمى بالصفقات الثنائية والمشاركة الصورية ولعبة الكراسي، بل إصلاح سياسي حقيقي يعترف بالآخر ويستوعب الخصم بحيث يكون شريكاً أصيلا في صناعة القرار الوطني هو المدخل الصحيح لتجاوز كل المخاطر، بما فيها مخاطر (ثورة الجياع)..هذا أوعلى الوطن السلام..نعم، الذي يخسر كيانه لن يبالي بالوطن، فالوطن ليس محض حجارة وتراب وأشعار، بل هو ذاك الكيان الذي يجب أن يعيش أو يموت (عزيزاً) ..!!
[/JUSTIFY]
الطاهر ساتي
إليكم – صحيفة السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]
[SIZE=2]ياليتهم يسمعون أو قل ياليتهم يبصرون و لكن يبدو لي أن لا حياة لمن تنادي فأكل أموال الناس بالباطل و الفساد بكافة أشكاله و أنواعه قد أعمى البصر و البصيرة و لكن الله أرحم و ألطف بالناس.[/SIZE]
ما هو الفرق بين التخريب والدمار وبين التعبير السلمي؟