رأي ومقالات

خالد حسن كسلا : «الرقابة القبلية» لمنع الهجرة العكسية

[JUSTIFY]في إسرائيل لم تعش الأجياش الجديدة من اليهود الشعور بالغربة باعتبار أنهم بعد أن شبوا عن أطواق الطفولة وجدوا أسرهم مستقرة في «وطن الاحتلال». لكن حتى لو كان الوطن «الاحتلالي» هو وطن أجدادهم فإن انعدام الأمن فيه سيقودهم إلى ركوب موجات الهجرة العكسية من كيانهم القائم على أرض فلسطين.

وإذا كان الآن جيش مقاومة الاحتلال «كتائب القسّام» يقوم بعمليات تسفر عن قتل جنود اسرائيليين بالعشرات، فهذا يعني رسالة قوية ترسل إلى المهاجرين اليهود إلى أرض فلسطين أو أبنائهم وحفدتهم بأن المستقبل لوجودهم في تلك الأرض على الأقل مجهول. والأفضل لهم العودة إلى حيث أتى آباؤهم وأجدادهم، وكانوا قد أتوا من بلدان كثيرة وتجمعوا بعد تنفيذ وعد بلفور في أرض فلسطين بعد أن عدلوا خطة إنشاء وطن لهم في يوغندا حيث توجد هناك كل أسباب الحياة من ماء عذب وأرض خصبة ومناخ معتدل معظم شهور العام.

إذن ما هي خطة الحكومة الإسرائيلية لقفل باب الهجرة العكسية؟ نعلم أن للإعلام أثره البالغ في تشكيل الرأي العام، وحتى لا تبث الوسائط الإعلامية في اسرائيل معلومات وأخباراً حول أرقام القتلى من الجنود في جيش الاحتلال، فإن السلطات الاسرائيلية اضطرت للقيام بعمل رقابة قبلية على الصحف والقنوات والاذاعات لتقص كل ما تراه أنه يصب في اتجاه تشجيع الهجرة العكسية. وبهذا العمل الرقابي لتكميم أفواه الصحافيين تكون اسرائيل قد دخلت نادي الدول المقيدة للحريات بعد أن كانت تتباهى وتتفاخر بأنها دولة حريات وديمقراطية واحترام رأي الآخر حينما يعبر عنه. لقد أخرج خوف السلطات الاسرائيلية من الهجرة العكسية هذه الدولة الاحتلالية الديمقراطية من نادي دول احترام الحريات. وبهذا القرار تكون إسرائيل دولة غير كاملة الديمقراطية ودولة يضيق فيها هامش الحريات، وهاك المعلومات: تعمل الرقابة العسكرية في إسرائيل استناداً إلى أنظمة الطوارئ الانتدابية من عام 1945م التي تبنتها اسرائيل في قوانينها، وحسب هذه الأنظمة فإن الرقابة العسكرية تحرص على ألا تعرِّض أية معلومات تنشر على الملأ أمن الدولة وسلامة الجمهور والنظام العام للخطر. ولهذا فهي تراقب بث أجهزة التلفاز والإذاعة والصحافة والكتب وتشطب مقاطع منها ويقودها قائد في الجيش وظيفته الموازنة بين قيمتين تتناقضتان أحياناً، وهما حق الجمهور في معرفة ما يدور حوله كجزء من حرية التعبير، وحاجة الدولة إلى رقابة معلومات من شأنها المس بأمنها. هذا ما نشرته «الجزيرة نت».

وبالطبع فإن استمرار مقاومة الاحتلال من جانب أبناء فلسطين يحتم على الكيان الصهيوني أن يقوم بمثل هذه الخطوة. خطوة الرقابة القبلية كما نسميها هنا في السودان اصطلاحاً، وهي الآن ليست موجودة لكنها تبقى أفضل من اجراءات غيرها مثل مصادرة الصحيفة بعد طباعتها مما يسبب الخسارة المادية، ومثل ايقافها بسبب نشر مواد معينة لم تلتزم فيها الجريدة بالتوازن بين قيمتين تتناقضان كما رأينا أسلوب الرقابة العسكرية الاسرائيلية على المعلومات والأخبار آنفاً.

إذن لا يكفي المقاومة الفلسطينية للاحتلال اليهودي أن تحارب فقط، فلا بد أن تخرق الرقابة العسكرية الإسرائيلية وتوفر المعلومات والأخبار للمهاجرين اليهود حتى يركبوا موجة الهجرة العكسية ويفرغوا فلسطين لأهلها دون ثمن أغلى تدفعه المقاومة مستقبلاً.

صحيفة الانتباهة
ت.إ[/JUSTIFY]