بعد أن انقشعت (2-3)

برزت في الاحتجاجات الأخيرة وقوى جديدةتخطت الوسائل المجربة تاريخياً في إسقاط النظم السياسية، مثل العصيان المدني والتظاهر المدروس، والشعار المركزي للانتفاضة، ذلك بإدخالها وسيلة التواصل الاجتماعي الإلكتروني وبثها عبره طبيعة الاحتجاج، لكن تلك الوسيلة كانت موضع انتقاد عام لطبيعتها، التي تجلت في رسومات مدبلجة، استعانت ببعض الأغاني الهابطة، والإغراق المسف في طرائق التعبير، لكنني أنظر إلى هذه الانعطافة الجديدة، لكونها تمثل ثقافة أجيال محبطة، لم تنل حقها في الوظيفة العامة، ولم تتح لها فرصة الانسياب في المجرى العام للدولة، فاكتفت بهامشها المتاح، وعبّرت عنه باللغة التي تراها. هذه القوى من العصيّ على الحكومة بخطابها جرها إلى أيٍّ من مواقعها، للاختلاف الجذري في المنهج وطريقة التفكير والمرجعية، ومن العصيّ على المعارضة التقليدية أيضا التوافق معها، وإقناعها ببرامجها السياسية.
هي قوى ظلت مستقلة عن مسار الحكومة ومجرى المعارضة، مكتسبة تلك الاستقلالية من خلافها الجذري مع الحكومة، ومن يأسها من المعارضة.
لقد كانت تلك القوى هي المركز العام للاحتجاجات، والمغذي الرئيسي للقنوات الفضائية، والمحتكر الحصري لرسومات التواصل الاجتماعي، والمصدر النافذ للإشاعة والمحرض، بحكم أنها قوى منفية على العنف بأشكاله كافة.
الملاحظ أن خطاب هذه القوى، لم يكن خطاباً سياسياً، بقدر ما كان رد فعل متراكم تجلى في النقد الظاهري للفساد والسخرية وإلصاق التهم، وجرح الرموز الحكومية، والتيئيس من أي اختراق مستقبلي، لمشكلات البلاد على صعيديْ الاقتصاد والسلام.
من الملاحظ أيضا، أن تلك القوى هي التي ابتدرت الاحتجاج، ولأنها قوى ليست مسيّسة بالمعاني العميقة للتفكير السياسي، صاحبت احتجاجاتها عمليات تخريب للمنشآت الحكومية والخاصة والشركات العامة، شملت 6 أقسام شرطة من محليات بحري والخرطوم وأمبدة، و78 مركز بسط أمن شامل، و11 مصلحة حكومية ومصرفيْن بأم درمان وشرق النيل؛ فيما تعرضت 39 طلمبة وقود بكل المحليات عدا محلية الخرطوم و9 صيدليات بجبل أولياء وكرري وشرق النيل، و16 مركبة خاصة و24 عربة حكومية، وما تزال اللجان المكلفة بإحصاء الخسائر تواصل لمسها لما انكسر وما ظل سالماً.
الأمر الجدير بالملاحظة، أن البرلمان ورئاسة الجمهورية والولاية، أقروا بحق التظاهر السلمي المكفول دستورياً، وهذا تطور جديد لم يكن مألوفاً من قبل، لكن المعارضة الممنوحة هذا الحق بمنطوق الدستور، لم تختبره على الصعيد السلمي.
الملاحظة الأخيرة، هي أن كل أجهزة الإعلام العربية والغربية، المسموعة والمقروءة، اتخذت موقفاً معادياً للحكومة تمثل ذلك في أشكال مختلفة، منها: الحملات الإعلامية الواضحة التي قادتها فضائيات (العربية) و(اسكاي نيوز)) والتقارير غير الدقيقة التي تبنتها (البي بي سي والحرة، هذا بحسب الأخبار والتقارير في الصحف العربية الخليجية والمصرية والدولية، والملاحظ أيضا أن كل تلك الأجهزة الإعلامية بمختلف حواضنها وجنسياتها، لم تشر للتخريب أو النهب أو الخسائر التي أشرت إليها، بل كانت تبث موادّ تبشر بانتفاضة شعبية عامة في السودان!.
[/JUSTIFY][/SIZE]
أقاصى الدنيا – محمد محمد خير
صحيفة السوداني
